وأما الثاني: فالحق أيضا إمكان حصول القرب من المبعد، وتوضيحه: بأن الميز بين التعبدي والتوصلي إنما هو باعتبار قصد التقرب في الأول دون الثاني، ولا اشكال في أنه لو غمس شخص في ماء مغصوب ورمس فيه وكان ثوبه قذرا مفتقرا إلى الغسل وأمكن له غسله بلا تصرف زائد ولم يغسل وغمس شخص آخر فيه كذلك وغسل ثوبه بذاك الماء المغصوب، لامتاز الثاني عن الأول بتحصيل بعض مطلوب المولى ويثاب عليه لحصول غرض ذاك المولى، بحيث لا مجال لارتياب فيه أصلا، فاتضح امكان حصول القرب من المبعد. وحديث عدم تمشي قصد القربة قد مر النقاش فيه.
ولا خفاء في أن الميز الحيثي هو الموجب لحصول القرب، وإلا لما أمكن حصوله من حيثية العصيان، إذ المفروض تعدد الجهة وإن اتحد الوجود الخارجي المعنون بجهتين.
وقد يستدل للبطلان تارة ثالثة بفقد الأمر ومعه لا مجال لامتثال، إذ لا بعث حتى ينبعث به ولا أمر حتى يؤتمر بذلك.
وفيه: أنه وإن لم يكن له مجال بناء على الامتناع كما هو الفرض، ولكن لا مانع منه بعد سقوط النهي بالعصيان مع بقاء العقاب، ولنعم ما عبر به المحقق الخراساني (ره) في الكفاية: من أن الغاصب يعاقب بالنهي السابق الساقط، فحينئذ لا استبعاد في تحقق الأمر لوجود الملاك، لأنه المفروغ عنه في بحث الاجتماع والامتناع، إذ لا بد من وجود الملاكين البتة. ونظيره من حيث تصوير الأمر ما هو المعالج به في مبحث الترتب عند مصدومية الأمر بالضد الأهم، إذ يحكم هناك بتحقق الأمر بالمهم في صورة عصيان الأمر بالأهم.
مع ما في أصل لزوم الأمر وعدم الاكتفاء بالملاك التام من النقاش، وقد مر منا التحقيق - في كتاب الطهارة وغيره - من تصحيح ذلك بمجرد انضمام الحسن الفعلي بالحسن الفاعلي، ولسنا الآن بصدد ذاك الأمر، بل للإشارة إلى ما في مبحث