هذين القسمين: من المثل والقيمة، فما هو الدارج في الفقه من المثلي والقيمي يكون رهينا لما أسسته يد الارتكاز وشيدته الغريزة العقلائية، من دون صدوره عن الشارع الصادع بما أمر.
وتستتبع هذه الغريزة آثارا أخرى، منها: كون القيمة محسوبة بلحاظ يوم الأداء لا يوم التلف، كما في محله.
وأما المقام الأول: ففي انعدام العين المغصوبة رأسا لو غصب ماء فصار بالتبخير هواء، أو حطبا فصار بالاحراق رمادا أطارته الريح العاصفة - وما إلى ذلك من النظائر - فيحكم العرف في ذلك بانعدامه رأسا، فلا مادة ولا هيئة ولا عروض لها فيها أصلا، بلا إصغاء إلى ما يناديه العقل الدقيق من بقاء المادة لا محالة ولو منتشرة في أماكن شتى.
فتشتغل ذمة الغاصب بعين ما غصبه من العين ويصير ضمانها فعليا بعد ما كان شأنيا، إذ بمجرد استيلاء يده العادية لا تشتغل ذمته بالعين المغصوبة مع وجودها بعينها في الخارج، بل ذلك إنما هو بتقدير التلف وخلو صفحة الكيان عنها، فقبله شأني وبعده فعلي، فيعامل معها حينئذ معاملة الدين وإن كان بينهما امتياز - نشير إليه في ثنايا البحث - ومن المعلوم: أن لفراغ الذمة المشغولة طريقين: إحديهما: أن يشتري المدين ما في ذمته من الدائن أو يصالحه أو نحو ذلك من المعاملات المعهودة، فحينئذ يملك المدين ما في ذمته لأنه الأثر الهام للمعاملة، وحيث إنه لا اعتبار لهذه الملكية لدى العقلاء - لآبائهم عن كون الإنسان مالكا لما في ذمته - فلا بد من الحكم بعدم استقرارها، بل لا استهام لها من الثبوت إلا ما يتفرع عليه السقوط ك (آن ما) نحو اشتراء الإنسان أحد عموديه: من الوالد أو الولد، حيث إنه بالاشتراء يملكه (آنا ما) فينعتق، وتفصيله في بيع الدين على من هو عليه.
فالغاصب حينئذ يملك ما في ذمته بالاشتراء (آنا ما) متعقبا بالسقوط والفراغ.