وجودا وعدما بيد ذاك الشخص، وأما اللاحق الذي قد تحقق مبادئ وجوده حتما وكان لحوقه ضروريا فهو بمنزلة السابق، فيمكن التوبة عنه، كمن ألقى نفسه من شاهق حيث إن سقوطه الموجب لهلاكه أمر ضروري اللحوق، فله حين ما يكون بين المبدء والمنتهى أن يتوب لله حتى لا يعذب يوم القيامة، ولا يمكن القول بعدم قبول التوبة منه بعد ما ورد من امتداد أمدها إلى الزهاق، فلا مجال للحكم بعدم قبول توبته عن ذنب الانتحار الذي لم يتعقبه القتل بعد. ومن هنا انقدح ما (في الجواهر) من الاضطراب فيه، من حيث عدم التفطن لهذا الميز التام بين لاحق ضروري اللحوق وبين لاحق ممكن اللحوق أولا، ومن حيث استناد الجمع بين البدل والمبدل بقاعدة (الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار) في تقريب الاشكال وتقرير المطلب ثانيا، لأن الموجب للزوم تحصيل المبدل هو قاعدة وجوب تحصيل المطلوب الأولي عند القدرة عليه ولو بالواسطة، لا قاعدة الاختيار المذكورة، فتدبر جيدا، لأن الامتناع بالاختيار وإن لا ينافي الاختيار عقابا، ولكنه ينافيه تكليفا، إذ المفروض امتناع انبعاث ذاك المكلف من هذا الأمر والحال هذه.
عود إلى بدء ثم إن غموضة البحث واعتياصه على غير واحد من الأعاظم - فضلا عن غيرهم - قد أوجب انعطاف سيدنا الأستاذ (مد ظله العالي) إليه ثانيا، فأفاد بما مغزاه: أن التوبة كما أنها مطهرة للتائب من الذنب السابق كذلك مطهرة له من اللاحق الضروري - لا أي لاحق - ولذا يحكم بصحة توبة من ألقى نفسه من شاهق وهو بين المبدء والمنتهى، لأنه مقتضى ما ورد من اتساع أمدها إلى الزهوق، فلو انجمد على أن التوبة إنما هي بعد الذنب للزم عدم قبولها في المثال ونحوه مما قد تحقق مباديه الوجودية حتما وكان ترتبه على تلك المبادي قهريا، إذ قبل