أن من أصحابه المتأخرين عنه قبل زماننا من استنبط بنظره ما لم يثبته في كتبه وإن كان يسيرا لا اعتداد به، فوضعنا هذا الكتاب الجامع لتلك الفوائد الحاوي لتلك الفرائد.
هذا مع أن كتابنا هذا لا يخلو عن مطالب دقيقة ومباحث عميقة لم يوجد في شئ من صحف الأولين ولم يسطر في دفاتر الأقدمين مما استنبطناه من فكرنا ونظرنا، ومن الله تعالى نستمد المعونة والتوفيق وأن يجعل ذلك خالصا لوجهه، عليه توكلت وإليه أنيب " (1).
ولو لم يسد الطريق الذي سلكه الشيخ - رحمه الله - ولم يمنع عن العمل بالخبر الواحد ولم يسو بينه وبين القياس كما ذهب إليه ابن إدريس - رحمه الله - وموافقوه ممن تأخر عن الشيخ - رحمه الله - وفاقا لمن تقدمه كالسيد المرتضى - رحمه الله - لأسرع تطور الفقه ولتكامل قبل المحقق الحلي والعلامة الحلي، إذ الفقهاء الذين نشأوا بعد الشيخ وقبل الفاضلين كانوا من جهابذة العلم وأساطينه كابن إدريس الذي قد أوتي من الفقاهة والشجاعة العلمية والقيام تجاه فتاوى سائر الفقهاء ما لم يؤت إلا الأوحدي منهم.
قال في " السرائر " فعلى الأدلة المتقدمة أعمل، وبها آخذ وأفتى وأدين الله تعالى، ولا ألتفت إلى سواد مسطور وقول بعيد عن الحق مهجور، ولا أقلد إلا الدليل الواضح والبرهان اللائح ولا أعرج على أخبار الآحاد، فهل هدم الإسلام إلا هي... (2) فالمانع الهام من تطور الفقه في عصر ابن إدريس - رحمه الله - هو ترك رأس المال للتكامل وهو الخبر الواحد الواجد لشرائط الحجية، وكذلك التطور في زمن العلامة من بركات الأخذ بالخبر الواحد، وإن كان للجهات الخارجية المقتضية للتطور والتكامل في عصره أيضا سهم، ومن أقواها نبوغه العلمي وذكاؤه