ولكن قد يقال: بأن المقام مما لا اعتداد فيه بطيب نفس المالك ورضاه، لأنه بعد رضاه وإذنه بما هو لازم الاتمام شرعا - كالصلاة - ليس له المنع عنه بقاء، وإن تبدل طيب نفسه بالكراهة لما كان لها أثر، نظير الإذن في الرهن والإذن في الدفن، حيث إن الرهن لما كان لازما من قبل الراهن، فلو رهن مالا بإذن مالكه لما أمكن الفك بمجرد تبدل رضاه، وهكذا لو طابت نفسه بدفن ميت مسلم في ملكه فليس له المنع عنه بقاء، ولا وقع لكراهته العارضة بزوال الطيب، إذ لا اعتداد له بقاء حتى يضر فقده أو وجود ما يقابله من الكراهة، والمقام من هذا القبيل، لأن الصلاة كالرهن لازم البقاء شرعا، إذ لا يجوز قطعها اختيارا، فحينئذ يكون الإذن فيها إذنا فيها بقاء ورضا بلوازمه، وعلى فرض نفاده لا أثر للكراهة الطارئة.
ولكن التحقيق يأباه، للميز الواضح بين المقيس والمقيس عليه، وبيانه:
بأن سقوط الكراهة ونفاد الطيب عن التأثير إنما يكون لأحد أمرين: أحدهما ثبوت حق لأحد بنحو يستلزم الاعتداد بالكراهة سقوط ذاك الحق، والآخر ثبوت حكم شرعي على خصوص المالك أو على ما يعمه بنحو لا يمكن تركه. أما الأمر الأول: فكان يلتزم ويتعهد في ضمن عقد مثلا إتيان عمل خاص - كالخياطة أو الغرس أو الزرع وما إلى ذلك من الأمور المالية - حيث إنه يجب عليه القيام بما تعهده رضى أم لا، لعدم الاعتداد بطيب نفسه ولا بكراهته، إذ الاعتناء به مستلزم لفوات حق الغير. ولا مجال للتمسك بقوله " لا يجوز أو لا يحل... إلا بطيب نفسه ".
لأنه بعد الاقدام على ذاك التعهد فقد أذهب حرمة ماله بما تعهده، فعليه القيام به طابت نفسه أم لا.
ومن هذا القبيل الإذن في الرهن، إذ يحصل به حق للمرتهن على ذاك المال المرهون، فليس للإذن أن يرجع، لأنه يستلزم فوات حق المرتهن، فلو تبدل طيب نفسه قهرا بالكراهة لما كان له أثر أصلا، لعدم اعتباره بقاء، ولذا يحكم بعدم