مسبوق العدم تعيينا. ومن هنا يتضح حكم النجاسة وأمثالها مما لم تكن ثابتة حال الحياة، إذ يمكن ترتيب جميعها بعد الموت بالأصل، لكفاية الأثر بقاء - كما مر - فلو توقفت الطهارة مثلا على التذكية لكان الكلام فيها هو ما أشير إليه، وكذا غيرها من الأحكام.
نعم: إن بين معنيي التذكية فرقا لا بد من الإشارة إليه، وهو أنها إذا كانت (أمرا بسيطا) فهو يسري إلى أجزاء ذاك الحيوان بلا اختصاص له به نفسه، لأن الخبث الموجود بالفعل أو بالقوة يتوقف زواله على ذاك الأمر البسيط، وهو كما أنه موجود في الحيوان نفسه، كذلك موجود في أجزائه، وذاك البسيط المزيل كما ينحدر نحو الكل، كذلك ينحدر نحو الجزء. وأما إذا كانت (مجموع تلك الأفعال الخاصة) فهي تختص بالحيوان، لأنه المصب لها فقط دون أجزائها، فإن أريد اجراء الأصل فلا بد من جريه فيه فقط، نعم: بعد الجري فيه لاستغنى الاجزاء عن الأصل المستأنف، فالتفاوت بين المعنيين حينئذ: بأنه لو لم يجر الأصل في الكل لجهة خارجية فلا مانع من جريه في الجزء (على المعنى الأول) ولا مجال لجريه (على المعنى الثاني) وتوضيحه بمثال نبه عليه " شيخنا الأستاد الحائري ره " هو أنه لو كان هنا حيوانان يعلم تفصيلا بتذكية أحدهما وعدم تذكية الآخر، وكان هناك جلد لا يعلم أنه أخذ من هذا أو ذاك، فلا مجال للأصل في نفس الحيوان إذ لا شك فيه أصلا. وأما الجلد: فعلى المعنى الأول وإن يجر الأصل، وأما على الثاني فلا مجرى له أبدا.
ثم إنه (قده) وإن عدى المنع عن الجريان من المعنى الثاني إلى المعنى الأول أيضا، حيث قال: إن الجلد المفروض لما احتمل انفصاله عن الحيوان المقطوع بتذكيته تفصيلا لا مجال لاستصحاب عدم تذكيته، لأن رفع اليد عن اليقين بالعدم يمكن أن يكون من مصاديق النقض باليقين لا بالشك، بل يشك فيه، فهو شبهة مصداقية لدليل الاستصحاب.