حيث دل على أن مصب الوصية أيضا كالدين وما لم يعمل بهما ليس للوارث شئ من المال، فقبل ذلك يكون محجورا عن التصرف فيه، إما لأنه ليس ملكا له أصلا - كما هو الظاهر الحق - أو لأنه وإن كان ملكا له إلا أنه محكوم بأحكام المال للميت، وقد أشير إلى فقد الأثر العملي. والحاصل: أن ما قبل التأدية ليس للوارث شئ من المال أصلا فيكون باقيا علي ملك الميت - حسبما مر -.
ومنها: ما رواه أيضا عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أول شئ يبدء به من المال الكفن، ثم الدين، ثم الوصية، ثم الميراث (1).
ونحوه غيره من النصوص، إذ الظاهر من الترتيب ما هو بالقياس إلى الخارج فما لم يكفن الميت خارجا لا مجال للتأدية، وما لم يؤد الدين لا مورد للوصية، وما لم يعمل بها لا موقع للإرث أصلا، ويلزمه أنه لو تلف ما له جميعا إلا بقدر الكفن يتعين صرفه فيه ولا مورد للبواقي، لا بأنه برئت ذمة الميت، بل لانحصار التركة في الكفن، وكذا لو تلف إلا بقدر الكفن والدين يتعين صرفه فيهما بلا مورد للوصية، وهكذا لو تلف إلا بقدر الكفن والدين والوصية لا مورد للإرث أصلا، فمرتبة الانتقال إلى الوارث إنما هي بعد أداء الدين خارجا.
ومنها: ما رواه في باب (أن الدية يرثها من يرث المال).
ومما يؤيد ما قدمناه هو ما ورد في أن أولياء المقتول الغريم ليس لهم البدار إلى الاقتصاص وعدم الاكتفاء بالقود إلا بعد تأدية الدين وابراء ذمة ذاك الميت.
والمتتبع يجد أكثر مما ذكر، فيتعين حينئذ ما قويناه في ثنايا البحث: من أن نطاق أدلة الإرث كتابا وسنة هو عدم انتقال المال إلى الوارث إلا بعد أداء الدين والعمل بالوصية، فما قبل ذلك لا مال له أصلا، فيبقى على ملك الميت بتمامه حقيقة، ومعه لا يجوز له التصرف في شئ منه أصلا.