الأمر الرابع: فيما يدل على عدم وجوب ستر الوجه والكفين قد لاح لك في ثنايا الأمر الثالث - الباحث عما يجب على المرأة من الستر - ظهور بعض النصوص المعتبرة في جواز إبداء الوجه والكفين، وقد يتمسك أحيانا بما ورد من تروك الاحرام مما ظاهره أو محتمله جواز الاظهار، فيلزم نقل ذلك أولا، والإشارة بما في الاستدلال به ثانيا.
وهو ما رواه عن أحمد بن محمد عن أبي الحسن عليه السلام قال: مر أبو جعفر عليه السلام بامرأة محرمة قد استترت بمروحة فأماط المروحة بنفسه عن وجهها (1) - ورواه الصدوق مرسلا، إلا أنه قال: فأماط المروحة بقضيبه.
تقريب الاستدلال: هو أنه لو وجب ستر الوجه وحرم إبدائه لما أماط عليه السلام المروحة عن وجهها، وليس ذلك إلا لعدم الوجوب.
وفيه أنه ما لم يعلم كيفية الإماطة لا يمكن الاستدلال بذلك لعدم الوجوب وتوضيحه: بأن الاستتار بالمروحة لعله ظاهر في لصوقها بالوجه صونا عن حر الشمس وهبوب الرياح ونحو ذلك، فإماطتها يتصور على وجهين:
الأول: أن تكون برفعها عن الوجه بحيث تصير فوقه مظلة عليه، أن ما كان لاصقا بالوجه من العالي إلى السافل جعل مرفوعا عنه فهو بعد باق بحاله ولكن مسدولا مع الفصل بلا لصوق.
الثاني: أن تكون بابعادها عن الوجه رأسا بحيث تصير ملقاة على الأرض مثلا بلا مساس لها بالوجه ولا بالقصاص ونحو ذلك أصلا.
فعلى الأول: لا يلازم الابداء إذ يمكن الاستتار حينئذ بنحو الاسدال بلا لصوق وهو ساتر بلا ريب، والفرق بين اللاصق والمسدول مع الفصل هو صيانة الوجه عن تغير اللون في الأول دون الثاني، حيث إنه يتخلل الحر وهبوب الريح فيؤثران فيه.