فمن اعتمد في تشخيص الحكم الشرعي على اجتهاد نفسه بلا اهمال فيه أو اجتهاد مفتيه كذلك أو على أصل عملي أو نحوه فلعله خارج عن مساق النصوص، لقيام الحجة له. وهذا بخلاف من قصر في الاجتهاد أو التقليد أو في الاتكال على الأصل أو نحوه، إذ لا نقاش في شمولها له.
ومما يشهد على هذا الميز هو ما رواه عن زرارة قال: قلت له: أصاب ثوبي دم رعاف، إلى أن قال: قلت: فإن ظننت أنه قد أصابه ولم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر فيه شيئا ثم صليت فرأيت فيه؟ قال: تغسله ولا تعيد الصلاة، قلت: لم ذاك؟ قال: لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا (1).
لأن مورده وإن لم ينطبق على المقام - لعدم العلم بالموضوع فيها دون المبحوث عنه الآن - ولكن التعليل منطبق على ما قلناه، بيانه: أن الاستصحاب الجاري في مفروض السؤال إنما هو بلحاظ ما قبل الصلاة والأخذ فيها، إذ لا ريب في أنه لا مجال له بعد العلم والرؤية، وكذا لا جدوى له، فمن كان على يقين من طهارته ثم شك فيها وصلى شاكا تصح صلاته لجريان الاستصحاب واقعا وإن لم يعلم هو به، لأن حجيته واقعية، كترتب الأحكام الأخر على موضوعاتها بلا دخالة للعلم والجهل، فمن تيقن بالسابق وشك فيه لاحقا ولم يعلم بحجية الاستصحاب أصلا فهو محكوم بحكم السابق، كمن يعلم بحجيته - بلا ميز - لأن الأثر للواقع.
وقد يتمسك به لاجزاء الحكم الظاهري عن الواقعي، ولكن للنقاش فيه مجال، لاحتمال استناد نفي الإعادة هنا إلى قاعدة (لا تعاد) إذ المفروض عدم فقد الطهارة عن الخبث واقعا، وتمامه في محله.
وكيف كان: بعد إلقاء الخصوصية عن الاستصحاب، يستفاد من هذا التعليل: