شوب، وإنما التطور التكاملي للأفراد والمجتمعات عصرا بعد عصر حتى يدركوه كما هو حقه ويصلوا إلى كنه مراده.
فمن كان قريبا من مبدء الوحي ولم يكن بينه وبين من أتى به حجاب ولم يكن في أذنه وقر ولم يكن قلبه في أكنة فهو يدرك المقصود ويعترف به ويعمل بمقتضاه، سواء قرب عهده الزماني بمبدء الوحي أو بعد عنه إذا المدار هو التقرب المعنوي لا القرب الزماني المادي، ومن لم يكن كذلك فهو محروم عن إدراكه كذلك، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أن إمكان إدراك معارف الوحي لمن كان قريب العهد منه أوفر لقلة الوسائط أو فقده، ولسهولة سؤال أهل الذكر الحقيقي عن المراد، بخلاف من كان بعيد العهد منه لتخلل الوسائط.
ومن ناحية ثالثة يعكس الأمر وهو أن كل من تأخر عهده عن طلوع أية صناعة علمية فهو في فسحة من التحقيق، لانتفاعه بتجارب من تقدمه من المحققين واستفادته من النتائج المترتبة على مبانيهم وأصولهم المستنبطة. وإلى ذلك أشار شيخ مشايخنا الإمامية في العلوم العقلية في إلهيات الشفا حيث قال - رحمه الله -:
" إن كل صناعة فإن لها ابتداء نشأة تكون فيها نية فجة غير أنها تنضح بعد حين، ثم إنها تزداد وتكمل بعد حين آخر ولذلك كانت الفلسفة في القديم ما اشتمل به اليونانية خطبية ثم خالطها غلط وجدل وكان السابق إلى الجمهور من أقسامها هو القسم الطبيعي ثم أخذوا يتنبهون للتعليمي ثم للالهي وكانت لهم انتقالات من بعضها إلى بعض غير سديدة " (1) فكم فرق بين الفلسفة السابقة على عصره وبين الفلسفة المتجلية في عصره الذي كان هو المفكر لها ببركة الإسلام.
وهذا التطور التكاملي إنما هو بلحاظ أصل الصناعة ولا ينافي ذلك أن يوجد في القدامى أو حدي من أهل الحدس والتحقيق قلما يوجد مثله في الأعصار القادمة إذا الكلام إنما هو في التطور العلمي مع قطع النظر عن النوابغ الذين يعدون