الأمر الثاني في الجمع بين نصوص الباب ثم إنه بعد استقرار التعارض بين طائفتي المنع والجواز قد يجمع بينهما بحمل المنع على الكراهة كما عن " الشيخ " في المبسوط " العلامة " في غير واحد من كتبه ومن احتذى حذوهما. وقد يجمع بحمل الجواز على التقية أي اتقاء المجيب في بيان الواقع زعما بموافقته للمحكي عن " أحمد بن حنبل " الذي شاعت التقية منه في زمان العسكري عليه السلام.
وليعلم: أن التقية على وجهين - كما أشير إليهما سابقا - أحدهما: تقية المعصوم عليه السلام في بيان الحكم، والآخر: اتقاء المكلف في مقام الامتثال. فأما الأول - أي الحكم الصادر عن اتقاء - فهو ليس بحكم واقعي ضرورة لعدم انحفاظ جهة الصدور. وأما الثاني - أي الحكم المعمول به تقية عند الامتثال - فهو أمر واقعي في ذاك الظرف.
وشئ من هذين الوجهين غير صالح لأن يحمل عليه الجواز، أما الأول:
فهو من المرجحات السندية المتأخرية عن الجمع الدلالي، إذ مع امكانه لا مجال لذلك، وستقف على امكانه. وأما الثاني: فهو يتوقف على صلوح دليل الجواز له وعدم إبائه من الحمل عليه، والظاهر إبائه عنه، لأن حمل اطلاق قوله عليه السلام في صحيح محمد بن عبد الجبار " وإن كان الوبر ذكيا حلت الصلاة فيه... الخ " على خصوص مورد التقية - سيما الاتقاء في التكة التي لا يطلع عليها ولا احتياج إلى تعب ومشقة في الاخراج والاجتناب عنه - بعيد جدا. فمع قوة ظهور طائفة الجواز - بحيث لا يقاس لها المنع - يحكم بالتصرف فيه بالحمل على الكراهة الشديدة، إبقاء لظاهر أدلة الجواز بحالها، ولا ينتهي الأمر بعد إمكان هذا الجمع