ومن هنا لم يتوهم البطلان أحد فيما لو صلى بلا قصد القربة في الستر، وكذا بلا التفات أصلا، وهكذا في غيره من الشرائط - كالاستقبال والطهارة ونحو ذلك - لأن الطهارة وإن كانت بنفسها عبادة لا تحصل إلا بالقربة، إلا أن تقيد الصلاة بها المعبر عنه باشتراطها فيها ليس بعبادة البتة، ولذا تصح صلاة من كان على طهارة فتخيل فقدها ثم ذهل فصلي ذاهلا ثم تنبه بعد الصلاة بكونه مسبوقا بالطهارة، لأن الاستصحاب هنا غير مصحح ولا محقق لقصد القربة البتة، وهكذا في الاستقبال فليس هنا ما عد النهي النفسي - وهو المنحدر نحو الغصب - حكم آخر عبادي حتى يتحد معه. وهذا الوجه الفاسد على فرض تماميته لا يثبت البطلان إلا فيما إذا كان الساتر بخصوصه غصبا، وأما عداه من الملبوس فلا، فضلا عن المحمول.
وثالثها: إن الحركات الواقعة في المغصوب الحاصلة بالصلاة منهي عنها - لأنها تصرف فيه - والنهي عنها نهي عن القيام والقعود والركوع والسجود، وهي أجزاء للصلاة واجبة عبادية، فيجتمع فيها العنوانان ويتحد الحكمان، فتصير العبادة المأمور بها منهيا عنها، فتفسد.
وفيه: أن المسألة هنا لما كانت عقلية لا مجال فيها للفهم العرفي ولا للبناء المتسامحي فلا بد فيها من الدقة حتى يعطى حقها بالتحليل الهادي إلى أن موضع الأمر ماذا؟ ومصب النهي ما هو؟
فنقول (بمنه تعالى): لو صلى في المغصوب بأن ابتدأ بالصلاة ونواها، فلا مجال لتوهم اتحاد النية مع التصرف الخارجي لاستحالة صيرورة الأمر القلبي متحدا مع الأمر الخارجي، وأما التكبير فهو وإن كان فعلا خارجيا، إلا أنه لامساس له بالتصرف في المغصوب، نعم: به يحصل الموج في الفراغ الذي شغله المصلي، وللكلام فيه عند البحث عن المكان المغصوب مجال في الجملة. وهكذا القيام والقراءة، لقضاء العقل بأنه أين القيام من الغصب؟ وأين القراءة من التصرف في المغصوب؟
نعم: إن القائم غصب والقارئ متصرف على وزان ما مر: من أن المصلي ناظر إلى