من دون أن يرد فيها نص خاص حتى يفرق بين الموارد المضاهية بوروده في بعضها دون بعض، فحينئذ إن فرق بينها بأثر فلا بد من الغور التام فيما يستند إليه التفريق.
والذي يخطر بالبال في تصحيح التفرقة - حيث حكم بالبطلان هناك بتا وهنا احتياطا - هو أن تعلم المسائل مقدور له معدود من أفعاله، فمن أراد الصلاة الجامعة بجميع ما يعتبر فيها جزءا أو شرطا واقعا مع الجهل بذلك وعدم العلم بما يجب فيها وما يحرم كذلك، كيف يتمشى منه الجزم بها والقصد إليها؟ وهذا بخلاف الزحام والريح والمطر وأشباهها مما تكون خارجة عن اختياره، اللهم إلا بالواسطة، حيث إنه يقدر على الالتجاء بمأمن عن هذه السوانح، فيكون التحرز عنها مقدورا له بالواسطة. نعم: ما لا يقدر عليه - ولو كذلك - فلا ضير في احتمال طروه، كالموت والحيض ونحو ذلك، فلذا يجوز للمرأة الأخذ في الصلاة مع احتمال طريان الحيض ونحوه مما يبطلها. فلعله لما لم يكن المقام كالتعلم مقدورا بلا واسطة ومعدودا من أفعال المصلي ولم يكن أيضا كالحيض الخارج عن القدرة رأسا، لم يحكم فيه بالبطلان جزما، بل احتاط فيه، كما أشير إليه.
وليعلم: أن الإرادة فيما يكون مطلوبا على تقدير خاص ومحبوبا على شرط مخصوص وإن لم تكن فعلية الآن بنحو الاطلاق، ولكن ليست أيضا تقديرية محضة، بحيث لم يكن في النفس قبل حصول ذاك التقدير إرادة ومحبة أصلا، بل الحق في الإرادات الكذائية أنها حاصلة الآن على فرض وتقدير. ومنه ينقدح ما في الاشكال المشهور: من أن وجوب المقدمة إنما يترشح من وجوب ذيها، فلو لم يكن وجوب ذيها الآن فعليا لما أمكن وجوب مقدمته الآن، ولو كان بحيث لم يمكن إتيانها بعد فعلية وجوب ذيها للزم السقوط رأسا.
بل الوجدان يشهد بفعلية إرادة المولى مثلا بإكرام ضيفه لا مطلقا، بل على تقدير مجيئه، فمن فعليتها الكذائية تترشح الإرادة إلى تمهيد مقدماته التي