وأما المراد من كونها زارعة للشهوة فليس هو خصوص النظر المصحوب للشهوة بأن يكون النظر الساذج خارجا، بل المراد أنه عرضة لها، وهذا المقدار من المعرضية كاف في المنع عنه، فلا يجوز النظر مطلقا لكونه عرضة لها، كما أن الشهوة أيضا للافتنان والزنا، لا أنها منتهية إليه دائما قطعا.
فالشارع الأقدس نفسه قد لاحظ تلك الحكمة فمنع مطلقا، بحيث تكون تلك المصلحة موجبة للجعل العام لا أنها علة قد أنيط بها الحكم حسب تشخيص المكلف حتى يجوز له النظر في مورد زعمه خاليا عن الشهوة.
والحاصل: أن نطاق الحكم سعة وضيقا ليس بيد تشخيص المكلف بكون المورد زارعا للشهوة أو غير زارع له، بل الشارع حيث إنه لاحظ كون النظر بذاته ولو خلي وطبعه عرضة لزرع الشهوة حكم بعدم جوازه مطلقا إذا كانت النظرة ثانية أو مستدامة من الأولى، لأنها في حكم الثانية بقاء وإن لم يكن كذلك حدوثا فهذه الرواية قاصرة عن إفادة الحرمة حدوثا وإن لم تدل على الجواز البتة.
نعم إن في الباب ما ظاهره جواز النظرة الأولى نحو ما رواه عن الفقيه قال:
قال عليه السلام: أول نظرة لك والثانية عليك ولا لك والثالثة فيها الهلاك (1).
إن النظرة الأولى، إما أن تكون قهرية بلا سبق إرادة واختيار، وإما أن تكون مصحوبة لذلك، فعلى الأول لا معنى لانقسامه إلى ما بداعي الشهوة والتلذذ وإلى ما ليس بذلك الداعي، إذ لا إرادة ولا داعي إليها حتى تنقسم بكيفية. وأما على الثاني: فهي منقسمة إلى ذينك القسمين، لا إشكال ظاهرا في انصرافها عن النظرة المصحوبة للتلذذ والريبة، لعدم صدور تجويز مثلها عن الشرع الأنور البتة مع قيام الاجماع على عدم جوازها. وأما القهرية من النظر فالظاهر نفي الاشكال في اندراجها تحتها. وأما الاختيارية منها العارية عن التلذذ فالظاهر اندراجها أيضا. وأما النظرة الثانية فلا تجوز فضلا عن الثالثة.