وأما لو كان وزانه وزان غيره مما اعتبره الشارع جزء لحقيقة السجدة فحينئذ يتحد الواجب مع الحرام، لأن هذا الوضع بعينه غصب، إذ المفروض غصبية تلك الأرض، وهو بنفس وضع جبهته عليها غاصب لها مع كونه واجبا فيتحدا، وحيث إن الأمر في وضع الجبهة هو الجزئية فيتأتى محذور الاتحاد في خصوص السجدة.
ومن هنا ينقدح أن لا اتحاد فيما عداها ولا بطلان لجميع الصلاة، لاختصاصه بالسجدة فقط، فمن لا يجب عليه الوضع المذكور في سجدته لأن وظيفته الايماء أو نحوه لا بطلان لصلاته في الأرض المغصوبة، فما اشتهر من الفتوى العام غير خال عن التسامح.
ثم إنه يقع الكلام على فرض الاتحاد في جوازه وامتناعه.
فعلى القول بالجواز - لا بطلان أيضا لأنه عاص وممتثل بجهتين بلا سراية، لكفاية تعدد العنوان وعدم الضرر من ناحية وحدة المعنون.
وأما على القول بالامتناع - فقد يستدل له تارة: بأن البطلان إنما هو لعدم تمشي قصد القربة، وأخرى: بأن المبعد لا يصير مقربا، ولذا يختص البطلان بصورة العلم والعمد وما بحكمه، دون السهو وما بحكمه، لتمشي القصد فيه ولعدم كونه مبعدا حينئذ، فيصلح للتقرب به. وفي كليهما نظر.
أما الأول: فلما يترائى من تمشي قصد القربة من العصاة المصلين لله تعالى مع ثيابهم المغصوبة في دورهم المنهوبة من الغير رباء أو غصبا أو إغارة ونهبا، أو لعدم تأدية الحقوق الواجبة عليهم من الزكاة والخمس مع اشتراء ألبستهم من عين ما لم يخمس، وما إلى ذلك، بعد تنبههم بحرمة ذلك كله تكليفا، إذ المشهور أنهم يصلون مع تلك الأحوال لله تعالى لا لغيره، فيتمشى قصد القربة البتة، وذلك مما يشهد على كفاية تعدد الجهة، فلا يتم البرهان بهذا الدليل، وسنوضحه مزيد ايضاح، فارتقب.