وأما ثانيا: فعلى تسليم اتساع نطاق دليل المنع وشموله للأعم من الحرام الواقعي والظاهري، فليس من باب الشك السببي والمسببي البتة، بل يحرز معه الموضوع بنفسه وجدانا، فينتفي الشك في المنع كذلك لا تعبدا، إذ بعد احراز الحلية الظاهرة فقد أحرز الموضوع وجدانا، فحينئذ يزول الشك في المانعية لا بالتعبد بل بالوجدان.
أضف إلى ذلك كله: اختصاص جريانه بما إذا كان هناك اللحم موجودا وموردا للابتلاء بنحو يصح جعل الترخيص والجواز التكليفي، إذ كما أن المعدوم أو ما ليس موردا للابتلاء لا مجال لجعل الحرمة التكليفية فيه كذلك لا مجال لجعل الحلية التكليفية له، لاتحاد المناط.
فحينئذ لو شك في جلد أو وبر أنه مما يؤكل أو من غيره مع انتفاء اللحم رأسا أو فقده عن مورد الابتلاء لا مجال لتجويز أكله فلا وجه لأصالة الحل.
ولا يقاس بأصالة الطهارة الجارية لطهارة الملاقي مع انتفاء ذاك الماء المشكوك رأسا، لأن المجعول هناك أمر وضعي فيصح الاجراء بلحاظ الأثر - كما يتضح في المقام الثاني - وأما هنا فلا، لأن المجعول فيه ليس إلا جواز الأكل تكليفا وكم فرق بينهما!
فتحصل: أن موضوع المنع هو محرم الأكل واقعا وبالعنوان الأولي، وأما المحرم بالعنوان الثانوي - كمنذور الترك والمغصوب ونحو ذلك - فلا، وإلا لزم الجواز فيما لا تنجيز للنهي - كما هو واضح - وأن أصل الحل قاصر عن احراز الواقع فلا جدوى له، فحينئذ لا بد من عطف عنان الكلام عن التفصيل في مصب جريانه سعة وضيقا، إذ لا أساس له على هذا الفرض أصلا.