رأينا ولكن عالما غير عامل * فلم يشف من اوصابنا غلة الصدي أغثنا اجرنا يا فدتك نفوسنا * فلم يبق منا موضع للتجلد مغفرة يا مولاي وعذرا فإنها والله نفثة مصدور ودمعة موتور خرجت عن كبد حرى ومقلة عبرى ونفس يكاد ان يجري بذوبها النفس فارحمنا يا مولانا بنفحة من تعطفاتك وأدركنا بنظرة من نظراتك ولأن يهدي الله بك رجلا خير لك مما طلعت عليه الشمس والله يطيل لنا بقاءك ويرفع بك فينا منار العلم ويحفظ بك الدين بمحمد وآله الطيبين الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
ومن كتاب له آخر إلى مؤلف هذا الكتاب بتاريخ 14 جمادى الثانية سنة 1341 بسم الله وصلى الله على رسوله وآله الطاهرين وسلام الله ورحمته وبركاته على سيدي ومولاي قدوة العلماء وحجة الله في العالمين العلامة الجليل والمولى النبيل السيد محسن الأمين دام ظله.
أقبل يدي مولاي وأرجو من الله طول بقائه اما بعد فقد كنت رفعت لحضرته كتابا منذ أيام وكنت أرجو ان يتفضل بجوابه عما سبق من وعده الكريم وإذا لم يرد علي شئ من ذلك احتملت عدم وصول كتابي لحضرته فكتبت لمولاي كلمتي هذه متطفلا على حضرته راجيا ان يحلني منه محل المستعطف مولاه في امره يتوقف عليه حياة دين جده ص الذي أصبح فينا غريبا ينظر اليه بعين الازدراء والمتمسكون به في الجملة ما أحراهم بقوله تعالى انا وجدنا آباءنا على أمة وانا على آثارهم مقتدون لا يعرفون من الدين الا اسمه ولا من الأعمال الا ما قضت به العادة ينقدح الشك في قلوبهم لأول عارض من شبهة حتى أن الكثير منهم أصبح يقلد المزدرين في أقوالهم وأفعالهم لأنه يرى في تقليدهم راحة من الاعمال ودخولا فيما يسمونه التمدن وان الالحاد لما نجم قرنه في البلاد صادف قلوبا خالية وأدمغة فارغة وغفلة من علماء الدين فعاث في الأخلاق الفساد بما شاده من المدارس التي قضت على حياة شبابنا الدينية ومنهم سرى هذا الداء إلى غيرهم حتى عمت البلوى وان مولاي وسيدي الذي جاهد في دين الله حق جهاده ونصب نفسه للهداية والارشاد ونشر العلوم والمعارف وتأليف الكتب المفيدة حتى استنار به محيطه وغيره وحسبه بذلك فضلا عند الله واجرا سعى مسعاه وجاهد في الدين جهاده أقول كلمتي هذه ولا أريد بها المدحة والثناء وما قدر لساني في جنب عمله وانا أطلقت منها ما ناسب المقام. ولعمر الله لو أن الأجانب اتونا بكل ما لديهم من قوة ولم يأتونا بمدارسهم لما نالوا منا ما نالوه بها ولكنهم عرفوا من اين تؤكل الكتف فجاؤونا بما أفسدوا علينا ديننا وأخلاقنا حتى أصبح القسم الأكبر من أهل الحل والعقد فينا خدمة لأفكارهم يقلدونهم في أقوالهم وأفعالهم تاركين سنن الدين وآدابه ظهريا اما العامة فمعذورون إذا لم يخترق نظرهم هذا الحجاب الكثيف لأنه لم يكن لديهم من بعد النظر ما يدركون به هذه الغاية. وأما أصحاب الزعامة فقد وجدوا ضالتهم المنشودة من العلم الحديث والمدينة المموهة واستعباد الضعيف. وأما العلماء فما عذرهم؟ فلم تقف حفظة الدين في وجه طليعة الالحاد فتدمغه بنشر العلوم الدينية وتوسيع النظر في الفنون العصرية ليتسنى لها اخماد جذوته بتتبع شبهاته ودحضها بالبينات والبراهين القاطعة. وقصروا نظرهم على ضرب فعل ماض والكليات خمس والكر ألف ومائتا رطل بالعراقي وأذكر اني سمحت لي التقادير يوما بالمثول لدى اجل علماء جبل عامل وأفضلهم وفي مجلسه جماعة من أفاضل الطلبة فعرضت مسالة حسابية لم يحسنوا التصرف بها فاقتضى الحال ان كتبت لهم جدول الضرب فكان لديهم محل اعجاب اين مقام علماء هذا القرن من مقام سلفهم كالشيخ بهاء الدين العاملي الذي كان له في كل سابقة فخر وفي كل مظلمة فجر ولم يكن لديهم من علم أصول الفقه الذي توسعت فيه علماء عصرنا حتى أصبح شغلهم الشاغل سوى متون وأظن أنهم كانوا يكتفون بالمعالم ومع ذلك فان العالم في عصرنا كل العالم من فهم معنى كلمات الأوائل أو بني عليها أ فيضر علماءنا اليوم ان ينظروا في الفنون العصرية ليعلموا صحيحها فيثبتوه ويأمروا به وفاسدها فينبذوه ويقيموا البراهين على فساده أ لم تكن الحكمة ضالة المؤمن أم يحسن بعالمنا اليوم ان يسال عما وراء قطره فلا يجيب أو يخبط في جوابه خبط عشواء وهو يرى علماء غيرنا اليوم يتطاولون للوصول إلى عالم المريخ وهل يضر علماءنا اليوم إذا كانت لهم جامعة يلجئون إليها للنظر في داء هذه الأمة ودوائها؟ أ لم يكن جبل عامل كعبة لأهل العلم وقد اخرج مثل الشهيدين والميسي والكركي وغيرهم ممن لا أعلم أسماءهم أ لم يشد أحدهم الرحال إلى مصر لتحصيل فن التجويد طلبا للكمال. ليعطف مولاي النظر إلى ما فعلته علماء غير المسلمين في كتبنا العربية كيف هذبوها وبوبوها ووضعوا لها التمارين والأمثلة والشواهد متحرين فيها ذكر أسماء رجالهم وكل شاهد من كتابهم حاذفين منها كل شاهد قرآني وكل حديث نبوي وكل كلمة جرت عادة المسلمين باتخاذها شاهدا أو مثالا وقد أصبحت كتبهم هذه هي المنظورة بعين الاعتبار وهي المتداولة في جميع المدارس حتى أصبح طالب العربية منا يتعلمها ولا يسمع آية قرآنية ولا حديثا نبويا ولا شاهدا علويا وهذا الفن انما هو رشحة من رشحاته يا لها من مصيبة. أ فكان واضعو هذه الكتب أوسع باعا وأكثر اطلاعا من علمائنا الذين اجلهم من حيث علمهم عن أن يذكروا في جنب هؤلاء واني والله ليسؤني ان اسمع وقد سمعت من يفتخر بهؤلاء ويقول اين عندكم من يماثل فلانا في محيط محيطه أو فلانا في مجمع بحرينه أو فلانا في منجده فلم يكن في وسعي الا السكوت إذ لم ار لأحد من متأخري علمائنا اثرا يضاهي تلك الآثار وان تكن فهي في زوايا الخمول وغرضي الأقصى ان أرى في بعلبك مدرسة تؤهل الطالب للهجرة إلى العراق فتغرس في نفسه حب العلوم الدينية لكي يوجد بعد برهة من الزمن في بلاد بعلبك جماعة من أهل العلم والفضل تقف في وجه هذا التيار وتحفظ لهذه الأمة شعائر دينها وتكون مرجعا لها وهذه الغاية لا يمكن الوصول إليها الا بواسطة مولاي الجليل إذ هو أقرب العلماء الينا وأصبرهم على العمل وأولاهم بنا كما اننا أولى الناس به فقد أسس في دمشق ما شكر الله به مسعاه فليتكرم علينا بعطفة من نظره الكريم يحيي بها ميتنا ويرشد بها ضالنا ويرد بها شاردنا ويهدي بها رائدنا وهو أدرى بما أعده الله لمن نصب نفسه للهداية كما أنه أيده الله أعلم بما أخذ الله على العلماء وحاشاه ان يخل بواجب وبالختام أرجو من الله طول بقائه والسلام عليه وعلى من حوته حوزته الكريمة وعلى سائر الاخوان المؤمنين ورحمة الله وبركاته.
ومن شعره قوله يرثي السيد محمد ابن عمنا السيد محمود ويمدح المؤلف هو الموت ان تجزع له أو تصبرا * له الحكم في الدنيا على سائر الورى فمن أخطأته اليوم منا سهامه * ففي غده يلقاه كأسا مصبرا فأين الالى شادوا القصور وأحكموا * وأين الألى قادوا جنودا وعسكرا