تستح فاصنع ما شئت أي إذا صنعت ما لا يستحى من مثله فاصنع منه ما شئت وليس على ما يذهب العوام اليه. قال ياقوت قلت وهذا تأويل حسن جدا. قال أبو القاسم الزجاجي أخبرنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن رستم الطبري قال حضرت مجلس أبي عثمان المازني وقد قيل له لم قلت روايتك عن الأصمعي قال رميت عنده بالقدر والميل إلى مذهب أهل الاعتزال فجئته يوما وهو في مجلسه فقال لي ما تقول في قول الله عز وجل انا كل شئ خلقناه بقدر قلت سيبويه يذهب إلى أن الرفع فيه أقوى من النصب في العربية لاستعمال الفعل المضمر وانه ليس هاهنا شئ هو بالفعل أولى ولكن أبت عامة القراء الا النصب ونحن نقرأها كذلك أتباعا لأن القراءة سنة فقال لي فما الفرق بين الرفع والنصب في المعنى فعلمت مراده فخشيت ان تغرى بي العامة فقلت الرفع بالابتداء والنصب باضمار فعل وتعاميت عليه فقال حدثني جماعة من أصحابنا أن الفرزدق قال يوما لأصحابه قوموا بنا إلى مجلس الحسن البصري فاني أريد أن أطلق النوار وأشهده على نفسي فقالوا له تفعل فلعل نفسك تتبعها وتندم فقال لا بد من ذلك فمضوا معه فلما وقف على الحسن قال له يا أبا سعيد تعلمن أن النوار طالق ثلاثا قال قد سمعت فتبعتها نفسه بعد ذلك وندم وأنشأ يقول ندمت ندامة الكسعي لما * غدت مني مطلقة نوار وكانت جنتي فخرجت منها * كآدم حين اخرجه الضرار ولو اني ملكت يدي ونفسي * لكان علي للقدر الخيار ثم قال والعرب تقول لو خيرت لاخترت تحيل على القدر وينشدون هي المقادير فلمني أو فذر * ان كنت أخطأت فلم يخط القدر ثم أطبق نعليه وقال نعم القناع للقدري فأقللت غشيانه بعد ذلك قال المبرد حدثني المازني قال مررت ببني عقيل فإذا رجل أسود قصير أعور أبرص اكشف قائم على تل سماد وهو يملأ جواليق معه من ذلك السماد وهو يغني بأعلى صوته فان تصرمي حبلي وتستكرهي وصلي * فمثلك موجود ولن تجدي مثلي فقلت صدقت والله ومتى تجد ويحك مثلك فقال بارك الله عليك واسمع خيرا منه ثم اندفع ينشد يا ربة المطرف والخلخال * ما أنت من همي ولا أشغالي مثلك موجود ومثلي غالي وفي نزهة الألباء يحكى عن أبي عثمان أنه قال حضرت أنا ويعقوب بن السكيت مجلس محمد بن عبد الملك الزيات وأفضنا في شجون الحديث إلى أن قلت كان الأصمعي يقول بينما أنا جالس إذ جاء عمرو فقال ابن السكيت هكذا كلام الناس قال فأخذت في مناظرته عليه فقال محمد بن عبد الملك دعني حتى أبين له ما اشتبه عليه ثم التفت اليه وقال ما معنى بينا قال حين قال أ فيجوز أن يقال حين جاء عمرو إذ جاء زيد فسكت قال وروى أبو عثمان قال حدثني أبو زيد قال سمعت رؤبة يقرأ فاما الزبد فيذهب جفالا فقلت جفاء قال لا إنما الريح تجفله أي تقلعه قال وقال المازني سألني الأصمعي عن قوله:
يا بئرنا بئر بني عدي * لا ينزحن قعرك بالدلي حتى تعودي اقطع الولي فقلت حتى تعودي قليبا أقطع الولي وكان حقه أن يقول قطعاء الولي لقوله تعودي انتهى والولي هو المطر بعد الوسمي سمي وليا لأنه يلي الوسمي. وقال ابن خلكان روى المبرد عن المازني قال قرأ علي رجل كتاب سيبويه في مدة طويلة فلما بلغ آخره. قال لي اما أنت فجزاك الله خيرا وأما أنا فما فهمت منه حرفا انتهى وفي لباب الآداب روي أن المازني قال يوما لأصحابه ما أحسن ما قيل في الاعتذار فأنشدوه ما حضر فقال أحسن ما قيل في الاعتذار قول النابغة الذبياني سيري اليه فاما رحلة نفعت * أو راحة القلب من هم وتعذيب فان عفوت فعفو غير مؤتنف * وان قتلت فوتر غير مطلوب وفي تهذيب التهذيب قال المبرد عن أبي عثمان المازني سئل علي بن موسى الرضا يكلف الله العباد ما لا يطيقون؟ قال هو اعدل من ذلك قال يستطيعون ان يفعلوا ما يريدون؟ قال هم أعجز من ذلك انتهى.
أخباره مع الواثق في معجم البلدان قال أبو عثمان المازني قال لي الواثق كيف ينسب رجل إلى سر من رأى فقلت سري يا أمير المؤمنين أنسب إلى أول الحرفين كما قالوا في النسب إلى تأبط شرا تأبطي انتهى وفي نزهة الألباء في طبقات الأدباء لعبد الرحمن بن الأنباري حكى أبو العباس المبرد قال قصد أبا عثمان المازني بعض أهل الذمة وبذل له مائة دينار ليقرئه كتاب سيبويه فامتنع من قبول بذله واضب على رده فقلت له جعلت فداك لم امتنعت مع فاقتك وشدة اضاقتك فقال ان في كتاب سيبويه كذا وكذا آية من كتاب الله ولست أرى إن أمكن منها ذميا غيرة على كتاب الله تعالى وحمية له وذكر غير واحد أن ذلك الذمي كان يهوديا قال فاتفق انه أشخص إلى الواثق وكان السبب في ذلك ان غنت جارية بحضرته بقول العرجي أظلوم ان مصابكم رجلا * اهدى السلام تحية ظلم فرد عليها بعض الناس وهو التوزي نصبها رجلا وتوهم انه خبر ان وليس كذلك وانما هو معمول لمصابكم لأنه في معنى أصابتكم وظلم خبر ان فقالت الجارية لا اقبل هذا وقد قرأته على أعلم الناس بالبصرة أبي عثمان المازني. وفي معجم الأدباء أورد هذا الخبر نقلا عن الأغاني ببعض التفاوت فبعد ما ذكر خبر امتناعه عن اقراء الذمي كتاب سيبويه قال فلم يمض على ذلك مديدة حتى أرسل الواثق في طلبه وأخلف الله عليه اضعاف ما تركه الله كما حدث أبو الفرج علي بن حسين الأصفهاني في كتاب الأغاني باسناد رفعه إلى أبي عثمان المازني قال كان سبب طلب الواثق لي ان مخارقا غناه في شعر الحارث بن خالد المخزوني أ ظليم (1) ان مصابكم رجلا * أهدى السلام تحية ظلم فلحنه قوم وصوبه آخرون فسال الواثق عمن بقي من رؤساء النحويين فذكرت له فامر بحملي وإزاحة عللي فلما وصلت اليه قال لي ممن الرجل قلت من بني مازن قال من مازن تميم أم مازن قيس أم مازن ربيعة أم مازن اليمن قلت من مازن ربيعة قال لي باسمك ويريد ما اسمك وهي لغة كثيرة في قومنا فقلت على القياس اسمي بكر وذلك أن مازنا تقلب الميم باء والباء ميما، فقال له الواثق باسمك يعلمه معرفته بابدال