الدولة بختيار الأمر بالحضرة بعد وفاة أبيه معز الدولة في يوم الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الآخر سنة 356 وكان المطيع لله قد لقب بختيار في أيام أبيه عز الدولة ورتبه لحجبته انتهى قال ابن الأثير في سنة 346 لما أحس معز الدولة بالموت عهد إلى ابنه عز الدولة بختيار ولما مات معز الدولة وجلس ابنه عز الدولة في الامارة مطر الناس ثلاثة أيام بلياليها مطرا دائما منع الناس من الحركة فأرسل إلى القواد فأرضاهم فانجلت السماء وقد رضوا فسكنوا ولم يتحرك أحد وكتب عز الدولة إلى العسكر بمصالحة عمران بن شاهين وكان بينه وبين أبيه معز الدولة حرب ففعلوا وعادوا.
وكان معز الدولة لما حضرته الوفاة وصى ولده بختيار بطاعة عمه ركن الدولة واستشارته في كل ما يفعله وبطاعة ابن عمه عضد الدولة لأنه أكبر منه سنا وأقوم بالسياسة ووصاه بتقرير كاتبيه العباس بن الحسين ومحمد بن العباس لكفايتهما وأمانتهما ووصاه بالديلم والأتراك وبالحاجب سبكتكين فخالف هذه الوصايا جميعها واشتغل باللهو واللعب وعشرة النساء والمساخر والمغنين وشرع في ايحاش كاتبيه وسبكتكين فاستوحشوا وانقطع سبكتكين عنه فلم يحضر داره ونفى كبار الديلم عن مملكته شرها إلى اقطاعاتهم وأموالهم وأموال المتصلين بهم فاتفق أصاغرهم عليه وطلبوا الزيادات واضطر إلى مرضاتهم واقتدى بهم الأتراك فعملوا مثل ذلك ولم يتم له على سبكتكين ما يريد لاحتياطه واتفق الأتراك معه وخرج الديلم إلى الصحراء وطالعوا بختيار بإعادة من أسقط منهم فاحتاج ان يجيبهم لتغير سبكتكين عليه وفعل الأتراك مثل فعلهم وكان أبو الفضل العباس بن الحسين الشيرازي وأبو الفرج محمد بن العباس بن فسانجس ينظران في الأمور أيام معز الدولة عند موت وزيره المهلبي من غير تسمية لأحدهما بوزارة ولما توفي معز الدولة كان كاتبه أبو الفرج المذكور يتولى أمر عمان فسلمها إلى نواب عضد الدولة وسار نحو بغداد لأن بختيار لما ملك بعد موت أبيه تفرد أبو الفضل بالنظر في الأمور فخاف أبو الفرج ان يستمر انفراده عنه فسلم عمان إلى عضد الدولة لئلا يؤمر بالمقام فيها لحفظها وسار إلى بغداد فلم يتمكن من الذي أراد وتفرد أبو الفضل بالوزارة وفي سنة 357 عصى حبشي بن معز الدولة على أخيه بختيار وكان بالبصرة لما مات والده فحسن له من عنده الاستبداد بالبصرة فسير اليه بختيار وزيره أبا الفضل فاظهر الوزير أنه يريد الانحدار إلى الأهواز ولما بلغ واسطا أقام بها ليصلح أمرها وكتب إلى حبشي يعده تسليم البصرة ويقول لزمني مال على الوزارة ويطلب مساعدته فأرسل اليه مائتي ألف درهم وأرسل الوزير إلى عسكر الأهواز ان يقصد الأبلة في يوم عينه وسار هو إلى البصرة فوصلها في ذلك اليوم وقبض على حبشي وحبسه برامهرمز فأرسل عمه ركن الدولة وخلصه. وفي سنة 358 قبض بختيار على وزيره أبي الفضل العباس بن الحسين وعلى جميع أصحابه وقبض أموالهم وأملاكهم واستوزر أبا الفرج محمد بن العباس ثم عزل أبا الفرج وأعاد أبا الفضل. وفيها نفي شيرزاد وكان قد غلب على أمر بختيار وصار يحكم على الوزير والجند وغيرهم فعزم الأتراك على قتله فمنعهم سبكتكين وقال خوفوه ليهرب فهرب من بغداد وعهد إلى بختيار ليحفظ ماله وملكه فلما سار عن بغداد قبض بختيار ماله وملكه فعيب بذلك على بختيار وسار شيرزاد إلى ركن الدولة ليصلح أمره مع بختيار فتوفي بالري. وفي سنة 359 في شوال انحدر بختيار إلى البطيحة لمحاصرة عمران بن شاهين فأقام بواسط يتصيد شهرا ثم أمر وزيره أبا الفضل أن ينحدر إلى الجامدة وعزم على سد أفواه الأنهار فبنى المسنيات وزادت دجلة فخربتها وانتقل عمران إلى معقل آخر وطالت الأيام وضجر الناس وشغب الجند على الوزير وشتموه فاضطر بختيار إلى مصالحة عمران وكان عمران قد خافه أولا وبذل له خمسة آلاف ألف درهم فلما رأى اضطراب أمر بختيار بذل ألفي ألف درهم في نجوم ولما رحل العسكر تخطف عمران أطراف الناس فغنم منهم وفسد عسكر بختيار وزالت عنهم الطاعة والهيبة ووصل بختيار بغداد في رجب سنة 361 وفيها أغار ملك الروم على الرها ونواحيها وساروا في ديار الجزيرة حتى بلغوا نصيبين فغنموا وسبوا وأحرقوا وفعلوا مثل ذلك بديار بكر فسار جماعة من أهل تلك البلاد إلى بغداد مستنفرين وكان بختيار يومئذ يتصيد بنواحي الكوفة فخرج اليه وجوه أهل بغداد مستغيثين منكرين عليه اشتغاله بالصيد وقتال عمران بن شاهين وهو مسلم فوعدهم التجهز للغزاة وأرسل إلى الحاجب سبكتكين يأمره بالتجهز للغزو واستنفار العامة ففعل وكتب بختيار إلى أبي تغلب بن حمدان صاحب الموصل يأمره باعداد الميرة و العلوفات فاجابه بالفرح والقبول ثم إن بختيار أرسل إلى المطيع لله يطلب منه ما لا يخرجه في الغزاة فقال هذا لا يلزمني وانما يلزم من البلاد في يده وليس لي الا الخطبة وترددت الرسائل بينهما حتى بلغوا إلى التهديد فبذل المطيع أربعمائة ألف درهم باع لأجلها موجوداته فلما قبض بختيار المال بطل حديث الغزاة. وفي سنة 360 تزوج أبو تغلب بن حمدان ابنة عز الدولة بختيار وعمرها ثلاث سنين على صداق مائة ألف دينار. وفي سنة 362 احترق الكرخ حريقا عظيما لأن صاحب المعونة قتل عاميا فثار به العامة والأتراك فهرب فأخذوه وقتل وأحرق وفتحت السجون فركب الوزير أبو الفضل لأخذ الجناة وأرسل حاجبا له يسمى صافيا في جمع لقتال العامة بالكرخ، وكان شديد العصبية للسنية فالقى النار في عدة أماكن من الكرخ فاحترق سبعة عشر ألف إنسان وثلاثمائة دكان وثلاثة وثلاثون مسجدا ودور كثيرة وأموال لا تحصى. وفيها في ذي الحجة عزل بختيار وزيره أبا الفضل واستوزر محمد بن بقية فتعجب الناس لذلك لأنه كان وضيعا في نفسه وأبو أحد الزراعين لكنه كان قريبا من بختيار يتولى له المطبخ ويقدم له الطعام ومنديل الخوان على كتفه وهو الذي صلبه عضد الدولة لما استولى على بغداد ورثي بالأبيات المشهورة التي أولها علو في الحياة وفي الممات * لحق أنت احدى المعجزات وحبس بختيار الوزير أبا الفضل ومات قريبا وقيل إنه سم. قال ابن الأثير وكان في ولايته مضيعا لجانب الله فمن ذلك أنه أحرق الكرخ ببغداد فهلك فيه من الناس والأموال ما لا يحصى وظلم الرعية وأخذ الأموال ليفرقها على الجند ليسلم فما سلمه الله وقد قال رسول الله ص من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس وأما ابن بقية فإنه استقامت أموره بما أخذه من أموال أبي الفضل وأصحابه فلما فني ذلك عاد إلى ظلم الرعية فانتشرت الأمور وزاد الاختلاف بين الأتراك وبختيار فاصلح ابن بقية الحال بين بختيار وسبكتكين على دخل وركب سبكتكين إلى بختيار ومعه الأتراك ثم عاد الحال إلى الفساد لأن ديلميا مر وهو سكران بدار سبكتكين فرمى الروشن فاخذه غلمان سبكتكين وظن سبكتكين انه وضع على قتله فقرره فلم يعترف فأنفذه إلى بختيار فامر بقتله فقوي ظن سبكتكين انه كان وضعه عليه وإنما قتله لئلا يفشو ذلك وتحرك الديلم لقتله فأرضاهم بختيار فرجعوا. وفيها أرسل بختيار الشريف أبا أحمد الموسوي والد الرضي والمرتضى برسالة إلى أبي تغلب بن حمدان بالموصل فمضى اليه وعاد في