بيلقان. قال أنوشروان وكان الذي جرى علي من الأخذ والنهب بباب حلوان أيضا في آخر ربيع الأول سنة 516 من ير يوما ير به * والدهر لا يغتر به قال أنوشروان وفي تلك المدة استدعاني السلطان إلى بابه وانتهت شدة حالي وانقضت مدة اعتقالي وانقذني اللطف الرباني من كيد الخصوم وعرفتني التجارب انه لا محيد من المحتوم وعلمت انه لا يجدي طلب العز في زمان الذل ولا يوجد الخصب في سنة الأزل وصممت في الاعتزال حد العزم ونزلت على آل المهلب ذوي الكرم والفضل والعلم كما قيل نزلت على آل المهلب شاتيا * غريبا عن الأوطان في زمن محل فما زال بي احسانهم وافتقادهم * وألطافهم حتى حسبتهم أهلي ويعني أنوشروان بال المهلب الامام صدر الدين عبد اللطيف بن محمد بن ثابت الخجندي بأصفهان وكان أجود الأمجاد وأمجد الأجواد فلما ضافه أنوشروان أكرم مثواه وقبله وآواه. قال أنوشروان فصرف إلي الأصدقاء الهمم، وحقق إكرامهم عندي الكرم، واستقرضت من تاجر غريب جملة، وكتبت له علي وثيقة، فجاءني بعد حين انسان وقال مخذومي عز الدين يسلم عليك، وقد نفذ هذه الوثيقة إليك، وقال لك ابطلها فان الدين قد قضي، وصاحبه قد رضي، فعجبت كيف توسل إلى اسداء هذه اليد إلي، وإفضاله علي فبقيت مدة في تلك الضيافة، آمنا من المخافة، سالما من الآفة، حتى استدعاني السلطان بعد قتل الوزير، وأهلني للتدبير، فامتنعت أياما وطلبت من الخطر ذماما، ولما وصلت إلى الدركاة رأيت كلا من الجماعة، يقول ما استحضر الا لسبب، وما استقدم الا لا رب. قال فراجعت فكري وندمت في أمري، وقلت اعمال السلطان عواري لا بد من ارتجاعها، وملابس لا بد من انتزاعها، ولو خلصت فرحت فرحت، ولو استخرجت الله في الانزواء لاسترحت. وكان السلطان في الإذن لي متوقفا، وانا قد ملت إلى الوحدة والانفراد، وقصرت همتي على هذا المراد، فما زلت به حتى استأذنت منه فاذن في الانصراف، وخصني من مواعيد عوائده الجميلة بالألطاف، فساعدني أرباب الدولة من الخيل وغيرها بما حمل اثقالي، ومن الأزواد وغيرها بما ثقل أحمالي، وتوجهت من أصفهان إلى بغداد، وعدمت الملاذ لأجل الملاذ، فلما وصلت إلى حضرة الخلافة وجدت الاكرام والإنعام والاحترام.
قال واستوزر السلطان محمود الوزير الدركزيني سنة 518 ثم قبض عليه واعتقله واستدعى شرف الدين أنوشروان بن خالد بن محمد من بغداد فلما حضر واستوزر حمل الدركزيني إلى داره على حاله وصيره في اعتقاله.
وكانت في أنوشروان ركاكة ظاهرة ووضاعة لخلق الرفعة قاهرة فلما تسلم الدركزيني ضرب له في داره الخركاه وأذن لكل صاحب له أن يدخل اليه ويلقاه وكان في كل يوم يدخل اليه ويجلس بين يديه ويخاطبه بيا مولانا وأنت أولى منا بالمنصب الذي خصنا به السلطان وأولانا فسقطت حرمته وذهبت هيبته واتضعت وزارته وعرفت حقارته وخيف عود الدركزيني بعد سلامته فشرعوا في إعادته وهو جالس في دار أنوشروان والناس منتابون اليه فما شعر أنوشروان حتى اخرج من داره ورد إلى الوزارة وأذن لأنوشروان في العود إلى موضعه فرأى الغنيمة في الاياب وكانت وزارته سنة واحدة قال المؤلف لا يجوز نسبة أنوشروان في ذلك إلى الوهن والضعف كما يظهر من صاحب الكتاب بل ظاهر حاله انه لم يوقع مكروها بالدركزيني من قتل فما دونه تورعا وخوفا من الله تعالى أو حبا بالعفو والحلم لا قلة تدبير وضعف عزم، قال والآن اذكر ما ذكره أنوشروان عن نفسه في كتابه. قال أنوشروان كنت اتخذت بغداد مدينة السلام دار المقام وأنا من حفظ الله في أوفى ذمام فجاءني كتاب السلطان محمود وخاتمه ووصل رسوله وخادمه يستحثني في الوصول اليه ويستعجلني في المثول بين يديه فحين حضرت الخدمة شافهني بالتقليد وخصني بأمره الأكيد وكمل لي تشريف الوزارة وخلعها وأدواتها محلاها ومرصعها ودواة الذهب والسلاح المجوهر. فجلست في الوزارة سنة وأشهرا لا أقدر على الخطاب في مصلحة. ولا على التنفس بفائدة مترجحة. وصاحبا يميني ويساري الشهاب أسعد الطغراني والصفي أبو القاسم المستوفي والأمير الحاجب الكبير حينئذ أرغان. وامرأته خلف الستر قهرمانة السلطان. فلما رأيت اتفاقهم على ما هم فيه قلت في نفسي لا يظهر لي مع الناقصين فضل. ولا يقبل منهم صرف ولا عدل. فاستعفيت واخترت العزل على التولية. واخذت نفسي عن الولاية بالتعزية والتسلية.
ونقضت يدي من صحبتهم. وقلت العفاء على تربتهم ورتبتهم. وعاد الدركزيني إلى الوزارة فإنه أرغب أرغان الحاجب بالرشى. ومشى به غرضه فمشى. ورجع كالكلب الكلب. والبغل الشغب. وهابه من لم يكن يهابه. وامتلأ باللؤم والشر إهابه.
قال فعدت إلى بغداد مستأنسا بالوحشة. آلفا بالوحدة. فلما وصل الدركزيني إلى بغداد اجتهد ان ينالني شره. فعصمني الله من كيده لإساءة اليه مني سبقت. ولا لضغينة علي بقلبه علقت. فاني كنت أسلفته في حال حبسه وعزله إحسانا. وقلدته امتنانا. ولم اترك في الإنعام إمعانا. ولما كلأني الله من غائلته مد يده إلى مالي وأنزل النوائب بأسبابي. وقد كنت بنيت على دجلة دارا فادعاها لنفسه ملكا. واستحضر عدولا شهدوا له بالملكية زورا وإفكا. وانتقل إلى الدار بحكم الشرع. وصير باطله حقا ببيناته الكاذبة في الأصل والفرع.
ثم خرج السلطان محمود من بغداد فمرض في الطريق وتوفي في شوال سنة 525 وجلس بعده على سرير الملك بهمذان اخوه طغرل بن محمد بن ملكشاه في جمادى الآخرة سنة 526 ووزيره أبو القاسم ناصر بن علي الدركزيني الأنسابادي ثم قتله طغرل واستوزر علي بن رجاء ثم توفي طغرل أوائل سنة 528 وجلس بعده على سرير السلطنة اخوه مسعود بن محمد بن ملكشاه وكان مسعود قد وصل إلى دار الخلافة في حياة أخيه وخطب الخليفة المسترشد بالله له آخر المحرم سنة 527 وكان المسترشد قد استوزر شرف الدين أنوشروان بن خالد، فلما وصل مسعود إلى دار الخلافة خطب له سفر أنوشروان وهو وزير الخليفة في مهامة وقال له المسترشد من لم يحسن سياسة نفسه لم يصلح لسياسة غيره قال الله تعالى فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره فأعاد عليه الوزير بالفارسية فأكثر من الدعاء. ثم رأي الخليفة عزل أنوشروان واستيزار علي بن طراد الزينبي فجلس في بيته مكرما ثم اجتمع بالسلطان مسعود فاستوزره ولم تطل أيامه في الوزارة وكان معهد الملك به غير مستتب العمارة ولا لنقص فيه بل لتغير القواعد وتكدر الموارد فعزل وما انتقل عن داره حتى تحول إلى جوار ربه وانتقل انتهى ما ذكر في تاريخ آل سلجوق من أحوال أنوشروان الوزير.
وقال في كتاب تجارب السلف ما ترجمته الخواجة أنوشروان بن