لا مجال للوجه الأول بعد عدم معلومية ما هو المقدار الظاهر في عصر النزول، لأن الكريمة إنما نزلت للتحديد تهديدا، فلا بد من دلالتها على تقليل ما كان رائجا، وبيان لزوم ستر ما كان مكشوفا، وإلا لصارت امضاء وتنفيذا لتلك السيرة، وهو كما ترى.
كما أن احتمال تحديد المستثنى في كل عصر بحسبه مساوق للغوية النزول بعد ما تغيرت السيرة وصارت بلاد الإسلام كغيره مملوة من العاريات، بل مع تغيير من تستر نفسها ولا تبدي زينتها من النساء المؤمنات.
بل المراد هو ما ظهر من الأعضاء التي تكون زينة لهن قهرا وبلا اختيار بإطارة الريح أو عند الركوب والنزول من الدواب والسيارات مع التحفظ أو مع الأمن واليقين بعدم الناظر، إذ لا ريب في أن لزوم الستر ليس واجبا نفسيا كالصلاة والصيام، بل وجوبه إنما هو بلحاظ الاستتار عن الناظر لشهادة التناسب المتقدم.
وما عد في الآية من موارد الاستثناء ونحو ذلك مما هو خارج عن الاختيار وإن كانت مقدماته اختيارية، فالشرع الأنور لم يسد أبواب تلك المبادئ الاختيارية بايجاب الاحتياط وتحتم القرار في البيوت وتحريم الخروج منها، بل سهل الأمر وأجاز الخروج وامتن بتجويز ما ظهر قهرا مع التحفظ بالستر، فحينئذ يصير الاستثناء منقطعا إذ ليس الظهور الكذائي مستندا بابدائهن حتى يكون خارجا عن عموم المستثنى منه، ومعه تكون الدلالة على حرمة الابداء ولزوم الستر آكد وأقوى، لأن انقطاع المستثنى مؤكد لاستيعاب المستثنى منه وعدم خروج فرد منه أصلا، فلذلك يقال عند إرادة الاستغراق وتأكيد الاستيعاب: جاءني القوم إلا حمارا، بمعنى أن القوم بأسرهم جاءوا ولم يخرج منهم أحد أبدا، وهذا بخلاف اتصاله، لأن خروجه موجب لانكسار ظهور العام - كما في محله - فراجع.
فالكريمة بالغة الدلالة على حرمة الابداء مطلقا، ويؤيده عدم استثنائه