من وجوب الستر وحرمة النظر، وليس المراد من الستر هنا ما هو المغني به في الصلاة - كما يأتي - إذ هناك يجب الستر فيها سواء كان هناك ناظر أم لا، وهذا بخلاف المقام، إذ لا وجوب فيما لا ناظر فيه، لاختصاص الوجوب بما فيه مظنة النظر ولا اختصاص لحرمة النظر بما إذا كان لشهوة بل يحرم مطلقا لاطلاق الأدلة.
ثم إنه قد يتخيل التعارض بين ما دل على حرمة النظر وبين ما يأتي مما ظاهره تفسير النبوي - الدال على تحريم العورة - بإذاعة سر المؤمن.
وبيانه: بأن حرمة الإذاعة لما كانت أجنبية عن النظر إلى عورة الغير يحكم بأن المحرم إنما هو ذلك - كما فسر به الحديث - لا النظر، حيث إنه روى عن حذيفة بن منصور قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: شئ يقوله الناس عورة المؤمن على المؤمن حرام، فقال: ليس حيث يذهبون إنما عنى عورة المؤمن أن يزل زلة أو يتكلم بشئ يعاب عليه فيحفظ عليه ليعيره به يوما ما (1) ونحوها روايتا عبد الله بن سنان وزيد الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام (2).
تقريب المعارضة: بأن ظاهرها نفي ما ذهب إليه ذهن السائل من حرمة النظر، بل المحرم هو التعيير يوما بعد حفظ الزلة ونحوها.
وفيه أولا: أن ظاهرها إنما هو نفي الحصر بإفادة معنى عام شامل للنظر وغيره لا الاختصاص بما عد النظر بنحو لا يندرج تحتها ولا تشمله، وذلك لبيان بعض المصاديق المهمة عند الشرع المبذولة عند الناس، نحو ما فسر قوله تعالى:
أوفوا بالعقود - بعهود الولاية، مع أنه لا ريب في بقاء الآية على العموم وجواز الاستدلال بها للزوم العهود الدارجة بين الناس، فالمعنى: أن المحرم ليس هو خصوص ما يذهب إليه الناس من النظر إلى عورة المؤمن بل أعم منه ومما ذكر في الرواية، مع أن علي بن الحسين عليه السلام تمسك بذلك لوجوب الستر.