إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي " (1).
والآية تدل على أن الوصول إلى الاطمئنان القلبي التام ليس هو الغاية القصوى للسالك، كما أن نيل مقام الرضوان بكلا شقيه أيضا ليس كذلك، بل له مقام أقصى من ذلك كله لا يخاطب لنيله إلا النفس الواجدة لتلك الدرجات الرفيعة، بخلاف غير ذلك المقام فإن المخاطب فيه هو الإنسان لا النفس المطمئنة وإن كان توجه الخطاب مطلقا إنما هو إلى النفس، ولكن قد يصحبه البدن وقد لا يصحبه لا نقول إن الواصل إلى ذلك المقام السامي مجرد عن البدن، بل المراد أنه لاحظ للبدن هنالك مع أن الإنسان البالغ إليه ذو بدن أيضا.
والغرض أنه لا ينال ذلك المقام إلا بعد اجتماع شرائط: منها الرضا بكلا طرفيه، والرضا لا يحصل إلا لمن يخشى ربه حيث قال تعالى: " رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه ". (2) وهذه الخشية لا تحصل إلا بالعلوم الإلهية، قال سبحانه: إنما يخشى الله من عباده العلماء " (3).
ومن تلك العلوم التي توجب الخشية - بعد معرفة الله وأوصافه الجمالية والجلالية ومعرفة مظاهرها من الجنة والنار - هو العلم بما يجوز فعله وما لا يجوز والعلم بما يجب فعله وما لا يجب و... وهذا هو الفقه الدارج، فالفقه موجب للخشية، والفقيه يخشى ربه ويرضى ربه عنه كما يرضى هو عن ربه ويأذن له أن يدخل في عباده ويدخل جنته التي هي غير الجنات التي تجري من تحتها الأنهار وكذا غيرها من جنان أخر كائنة ما كانت.
وهؤلاء الفقهاء الجامعون للعلم والعمل هم الذين سلم عليهم وأثنى عليهم وبجلهم العلامة الحلي، الحسن بن يوسف بن المطهر - رحمة الله عليه - حيث قال: