وليس في شئ من هذه دلالة على المطلب; لمنع التواتر بالنسبة إلى الهيئة الحاصلة من إعمال تلك القواعد المقررة عندهم لتجويد الكلام العربي من حيث هو كلام، لا من حيث إنه قرآن، مع صدق القرآن على المجرد عنها صدقا حقيقيا جزما وصحته من حيث العربية قطعا بحكم الفرض، مع أنه لو سلم تواتر الهيئة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلا دليل على وجوب متابعة كل هيئة قرأ بها صلى الله عليه وآله وسلم، ولو من جهة اعتياده بها في مطلق الكلام; حيت إنه أفصح من نطق بالضاد، سيما وأن خصوصيات الهيئات غير منضبطة. فالمدار في غير ما ثبت اعتباره من خصوصيات الهيئات على ما يصدق عرفا معه التكلم بما تكلم به النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مقام حكاية الوحي، وإن اختلفا في المد والغنة أو مقدارهما، وفي الوقف والوصل.
وأما الأخبار الآمرة بالقراءة كما يقرأ الناس ونحوها: فملاحظتها مع الصدر والذيل تكشف عن أن المراد حذف الزيادات التي كان يتكلم بها بعض أصحاب الأئمة بحضرتهم صلوات الله عليهم، إلى أن يقوم القائم روحي وروح العالمين فداه عجل الله فرجه، فيظهر قرآن أمير المؤمنين عليه السلام، والحاصل: أن مدار اعتبار الخصوصيات في القراءة على أحد أمور ثلاثة:
أحدها: كونها مقوما للقرآنية من حيث المادة أو الصورة، وبه يثبت مراعاة الحروف وترتيبها وموالاتها وحركات بنية الكلمة ونحو ذلك.
الثاني: كونه مصححا لعربيته، وبه يثبت وجوب مراعاة جميع قواعد العربية في الأبنية وإعراب الكلم.
الثالث: كونه مأثورا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إما مجرد ذلك; بناء على أصالة وجوب التأسي في غير ما خرج بالدليل، أو مع ثبوت الدليل على اعتباره.