وإذا فرض خروج ما اتفق عليه القراء من الأولين، فلا بد من إثبات تواتره - أولا - عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم إقامة الدليل على وجوب التأسي فيه; بناء على منع قاعدة التأسي، سيما في الخصوصيات العادية. وكلتا المقدمتين صعبة الاثبات.
ومما يوهن الأولى: ما عرفت من حكاية خلو المصاحف عن الاعراب والنقط، فضلا عن المد ونحوه حتى اختلفوا فيه اختلافا فاحشا، خطأ كل واحد منهم مخالفه، بل قيل: إن كل واحد من القراء كان يمنع عن قراءة من تقدم عليه من السبعة، وربما خطأهم الإمام عليه السلام الذي هو من أهل بيت الوحي، كما في جزئية البسملة لغير الفاتحة من السور، وتخطئتهم عليهم السلام ابن مسعود الذي هو عماد القراء في إخراج المعوذتين من القرآن (1).
مضافا إلى أنهم يستندون غالبا في قواعدهم إلى مناسبات اعتبارية وقلما يتمسكون فيه بالأثر، فلو كان القرآن بتلك الخصوصيات متواترة لاستندوا في الجميع إلى إسنادهم المتواتر كما يفعلون في قليل من المواضع.
ودعوى: أن ذكرهم للمناسبات إنما هو لبيان المناسبة في الكيفية المأثورة لا لتصحيحها بنفس تلك المناسبة، كما هو دأب علماء النحو في ذكر المناسبات مع أن قواعدها توقيفية إجماعا، غير مجدية بعدما علمنا أن مستندهم في التوقيف هو مجرد موافقة القراءة أحد المصاحف العثمانية، ولو باحتمال رسمه له (كملك) و (مالك) مع صحة سندها.
قال [ابن] الجزري في كتابه - على ما حكي عنه -: كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالا وصح سندها