وأما المراد من التعمد: ففي المستدرك تفسيره بالنظر عن شهوة، فالمفاد حينئذ هو عدم جواز النظر الكذائي مطلقا مع جوازه خاليا عن الشهوة بالنسبة إلى نساء أهل الذمة.
ويحتمل أن يكون المراد من التعمد في قبال القهري من النظر.
وبيان: بأن الأمر القهري لخروجه عن حوزة الاختيار غير صالح لأن يقع تلو التكليف البتة، ولكن بماله من المبادي الاختيارية صالح لأن يثاب أو يعاقب عليه، والنظر إلى الأجنبية قهرا قد يكون مع تحفظ المبادي بالاحتياط فحينئذ لا بأس فيه جدا، وقد يكون بلا تحفظ ولا احتياط فعليه لا غرو في انحدار تكليف نحوه، فمن الممكن أن يجب الغض أي كسر آلة النظر ونقصها في الطريق ونحوه صونا عن النظر القهري إلى المسلمة، وأما بالنسبة إلى غيرها فلا يجب الغض أي التحفظ، ففي الأولى يكون النظر قهريا بحتا إذ المفروض تحفظ المبادي لئلا يقع النظر، وفي الثانية لا يكون قهريا، بل هو تعمد في قبال القهري المحض وإن لم يكن تعمدا في قبال من كان قصده ذلك.
والحاصل: أن الذي كان من قصده النظر فهو خارج عن الكلام، وأما الذي لا يكون من قصده ذلك بل قد يتفق فهو على قسمين: أحدهما: من يكون متحفظا للمبادي لئلا يقع النظر، والآخر: من لا يكون متحفظا لمبادي الترك، كما لم يكن مريدا للفعل وقاصدا إياه بل كان مشتغلا بما يعنيه من مهام أمره، فالنظر على الأولى قهري بحت، وعلى الثاني غير قهري بالقياس إلى الأول، وإن كان قهريا بالقياس إلى من قصده ذلك، فالمعنى حينئذ هو التفصيل بين قسمي القهري لجواز الثاني في نساء أهل الذمة دون المسلمة، فيجب التحفظ لئلا يقع النظر إليها دونهن فلا وجوب فيهن.
هذا محصل ما أردنا نقله من الطوائف الثلاث الدالة على حرمة النظر إلى الأجنبية المسلمة مطلقا، وإن تخلل في ثناياها ما ظاهره تجويز النظرة الأولى.