لا ريب في أن التناسب بين الحكم والموضوع يهدي إلى أن ليس المراد هو أية نظرة إلى الجدار والنبات وغير ذلك، ولا إلى المماثل عدا ما مر من العورة، ومما لا ريب فيه أيضا أن نظر الرجل إلى من لا يماثله أو العكس مندرج تحتها قطعا، ولمكان التعبير بالسهم وكونه من سهام إبليس وكونه مورثا للحسرة الطويلة يستفاد منها المنع، سواء في ذلك النظرة الأولى والثانية، وكذا النظرة التي تكون بشهوة والتي تكون بدونها، ولعل التعبير بالسهم لأجل أنها قد تخطي وقد تصيب كما أن السهم كذلك، فلا بد من الاجتناب عنها صونا عن الإصابة، فالنظر قد يستتبع مفاسد أخرى وقد لا يستتبع، فيلزم الاحتراز عنه رأسا، صونا عن الابتلاء بتلك المفاسد التي تذر الديار بلاقع.
وما رواه عن أبي جميلة عن أبي جعفر عليه السلام وأبي عبد الله عليه السلام قالا: ما من أحد إلا وهو يصيب حظا من الزنا، فزنا العينين النظر، وزنا الفم القبلة، وزنا اليدين اللمس، صدق الفرج ذلك أو كذ ب (1).
وحيث إن النظر المطلق الشامل للأولى والثاني قد عد زنا فيحكم بعدم جواز ه كذلك. وأما من حيث كونه بشهوة وبدونها، فلعله يمكن الانصراف عما يكون بدونها بقرينة الزنا، إلا أن يناقش في قرينيته.
وما رواه عن الكاهلي قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: النظرة بعد النظرة تزرع في القلب الشهوة، وكفى بها لصاحبه الفتنة (2).
لا مرية في شمول ما يتخلل الفصل بينه وبين النظرة الأولى، وأما النظرة المستدامة فهي أيضا مندرجة البتة، لأنها وإن كانت نظرة واحدة ولكن إدامتها واتباعها بمنزلة التعدد جدا، حسب التناسب الدارج في مثل المقام، نعم لا شمول لها بالنسبة إلى النظرة الأولى المنقطعة عما يليها مع عدم استمرارها في نفسها.