لآتين رسول الله صلى الله عليه وآله ولأخبرنه، فأتاه، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ما هذا؟
فأخبره، فهبط جبرئيل عليه السلام بهذه الآية " قل للمؤمنين... الخ " (1).
ولا خفاء في أن المراد هو ترك النظر رأسا، لا النظر المنكسر الخفيف، إذ لا يعالج مثل ما ابتلى به ذلك الشاب الأنصاري إلا بترك النظر جدا، وإلا لأدى إلى ما أدى به من اعتراض العظم وشق الوجه وسيلان الدم، بل أسوء من ذلك وأفحش، فالذي يصون عن الابتلاء بمثل ذلك هو الترك رأسا، وهو المعنى بالغض.
ولا تفاوت فيما هو المهم بين كون لفظة (من) في الكريمة زائدة، أو تبعيضية، أو بيانية، أما على الزيادة فالأمر واضح، وكذا على البيانية الدالة على أن المغضوض هو البصر لا الصوت مثلا ولا غيره، وأما على التبعيضية فليس المراد هو الترخيص في بعض والمنع عن آخر، بحيث يدل على جواز النظر الخفيف، لأن المتعلق هو البصر الذي هو آلة النظر لأنفس النظر، وقد أشير إلى أن الأمر بكسر الآلة ونقصها كناية بالغة عن عدم أعمالها فيما تعلق بها، فالنقص المأمور به هو نقص البصر لا النظر، والمراد من البصر في مثل المقام هو الآلة لا الفعل، كما في قوله تعالى: تشخص فيه الأبصار، شاخصة أبصارهم.
فتحصل: أن الكريمة دالة على حرمة نظر الرجل إلى من لا يماثله من النساء مطلقا بلا استثناء شئ منها كالوجه والكفين للاطلاق. نعم بعد البحث عن حكم الستر يبحث عما ورد من دليل الاستثناء وموارده.
ويدل عليها من السنة: ما رواه عن علي بن عقبة عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: النظرة سهم من سهام إبليس مسموم وكم من نظرة أورثت حسرة طويلة (2) وقريب منها في الجملة ما رواه هشام بن سالم، عن عقبة عن أبي عبد الله عليه السلام (3).