وأما الثانية: فلأن قوله عليه السلام: (فإذا صار الظل قامة دخل وقت العصر) ليس المراد به وقت الاجزاء لصحة العصر قبل ذلك إجماعا، فتعين أن يكون المراد وقت فضيلة العصر، إما بناء على استحباب التفريق - كما هو مذهب جماعة - وإما بناء على أن المراد بوقت العصر: وقت فضيلتها المختصة بها، بحيث لا يشاركها الظهر فيه في الفضيلة.
وعلى التقديرين، فمعنى الحديث حينئذ، هو: أنه إذا صار الظل قامة فهذا آخر وقت فضيلة الظهر، وبعده يدخل وقت أصل فضيلة العصر بناء على استحباب التفريق، أو يدخل الوقت المختص بفضيلة العصر بحيث لا يشاركها الظهر وإن كان للعصر قبله أيضا فضيلة; بناء على عدم التفريق.
ومثل هذا الشاهد موجود أيضا في الروايتين الأخيرتين; لأن الوقت المحدود للعصر فيهما ليس وقتا للاجزاء قطعا، فتعين أن يكون للفضيلة، ومقتضى المقابلة حمل وقت الظهر أيضا على الفضيلة.
ولو سلم عدم شهادة هذه الأمور في هذه الأخبار بإرادة وقت الفضيلة فلا أقل من تطرق الوهن لأجل هذه الأمور في ظهور هذه الأخبار في إرادة وقت الاختيار. وقد عرفت غير مرة أن الحقيقة المتعقبة بما يصلح أن يكون صارفا لها لا دليل على اعتبارها، فيحصل لذلك إجمال بالنسبة إلى وقت الاختيار والفضيلة، فلا يزاحم بها ما قدمنا من الأخبار الدالة على بقاء وقت الاختيار للمصلي إلى آخر النهار.
ثم لو سلم عدم الوهن وسلامة ظهورها، دار الأمر بين صرف هذه عن ظواهرها إلى الفضيلة وبين تقييد تلك الأخبار بما عدا المختار، فلو أغمض النظر عن موافقة الكتاب فلا دليل على ترجيح التقييد على التجوز بقول مطلق، فيحصل التكافؤ ويرجع إلى الأصل وهو موافق