ثم المراد من الذيل ليس هو التجويز مطلقا، لأن نوحا عليه السلام لما أمكن له الخروج حسب الجري العادي ما لم تستو سفينته على الجودي، فلا يجوز استفادة الحكم الاختياري منه، مع أنه لا دليل على كون تلك السفينة كانت سائرة، إذ لم يكن قصده عليه السلام الحركة والانتقال، اللهم إلا برياح عاصفة، فاستفادة التجويز المطلق منها بعيدة جدا.
والمراد من الأمر، هو مجرد الترخيص لا البعث والترغيب، وسيجئ القول في إمكان الترغيب بلحاظ ثانوي.
ومنها: ما رواه عن يونس بن يعقوب أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة في الفرات وما هو أصغر منه من الأنهار في السفينة، فقال: إن صليت فحسن وإن خرجت فحسن (1) ونحوه ما رواه عن المفضل بن صالح عن أبي عبد الله عليه السلام (2).
والمراد من أخذ تلك الخصوصيات في السؤال إنما هو بيان التمكن من الأرض بالخروج، والمراد من التسوية بينه وبين الصلاة في السفينة هو ردع توهم خصوصية للأرض - نشأ احتمالها مما مر - فليس الجواب ناظرا إلى إثبات الخصوصية للسفينة، بأن يغتفر عن الأجزاء الواجبة في الصلاة الفائتة فيها - كما زعم - فلا يستفاد لها اختصاص. وعلى تسليم ظهور الجواب يكون في غاية الضعف.
ومنها: ما رواه عن صالح بن الحكم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة في السفينة؟ فقال: إن رجلا سأل أبي عن الصلاة في السفينة، فقال له: أترغب عن صلاة نوح عليه السلام فقلت له آخذ معي مدرة أسجد عليها؟ فقال: نعم (3).
إن الموجب للسؤال إنما هو أحد الأمرين المارين: من احتمال دخالة الأرض، ومن احتمال مانعية الحركة بالتبع للجالس في السفينة - كما مر - وأما الجواب: فلا يستفاد منه أزيد من الجواز طردا لاحتمال خصوصية الأرض