إنما هو بذكر ما تناله يد الأفهام العرفية، فيكون البيان حينئذ بمثابة إحياء ما ارتكز في الأذهان، نظير ما لو قيل في المنع عن التزويج في العدة: إنه لصيانة الرحم عن اختلاط المياه، حيث إن العرف يدركه أيضا، وأما المقام الذي يكون بيان ممسوخية كل حيوان بيد الشرع - بحيث لولا بيانه لما أدركه العرف أصلا - فلا، ومعه لا يصلح تقريب الحكم بذكر المسخ حكمة له، إذ لا صلوح لمثله لأن يصير نكتة حكمية له، لما نوضحه فيما يلي. وإن كان فلا بد، فليحمل على بيان ما يوجب تنفر الطبع. والحاصل: أن صلوح صيانة الرحم عن الاختلاط للحكمة وعدم صلوح الممسوخية لها، بأن (الثاني) تحديده وبيان موارده بيد الشرع، فلو بين الممسوخ وميزه عن غيره فلا اشتباه، ولا مجال أيضا للاحتياط بسراية المنع إلى الجميع لأجل كون الأكثر مسوخا.
وأما (الأول) فمما لا يمكن بيان موارده، إذ لا يمكن الحصر وعد أن أي رحم يختلط فيها المياه وأيها لا تختلط؟ فلذا يمنع عنه بالمنع العام صونا عن ذاك المحذور، وكم فرق بين المقامين، فالتمسك بهذه الرواية - مع كونها مرفوعة تجاه تلك النصوص الناطقة بدوران الحكم مدار حرمة الأكل مطلقا بلا دخالة للمسخ - غير سديد.
ومنها: ما رواه عن تحف العقول، عن الصادق عليه السلام في حديث قال: وكل ما أنبتت الأرض فلا بأس بلبسه والصلاة فيه، وكل شئ يحل لحمه فلا بأس بلبس جلده الذكي منه وصوفه وشعره ووبره، وإن كان الصوف والشعر والريش والوبر من الميتة وغير الميتة ذكيا فلا بأس بلبس ذلك والصلاة فيه (1).
ودلالتها على المنع مما لا يؤكل لحمه متوقفة على كونها بصدد التحديد الدال بمفهومه على ذلك ولا يبعد، فتدل بقوله عليه السلام " وكل شئ يحل لحمه... الخ " على المنع فيما عدا مورد القيد، حيث إنه مأخوذ في كلامه عليه السلام بدوا، نعم: إن نوقش في التحديد فلا مفهوم له حينئذ.