تحت الدليل بقوة ظهوره في بعضها دون بعض، فإذا كان لهذا الدليل أفراد بينة الاندراج تحته دون ما عداها، ولذاك الدليل أيضا أفراد واضحة الاندراج تحته دون ما سواها، فليؤخذ هذان الصنفان من الأفراد ويترك ما عداهما، حسما لمادة النزاع كما مر، في قوله " ثمن العذرة سحت " و " لا بأس بثمن العذرة ".
ولا ريب هيهنا في أن شمول دليل الاثبات للإعادة في الوقت أداء أقوى من شموله للإعادة في خارجه قضاء، إذ لا وجه لايجاب الثاني دون الأول، بخلاف العكس. وكذا لا مرية في أن شمول دليل النفي للقضاء أقوى من شموله للأداء، فالقدر المتيقن من الأول هو الأداء، ومن الثاني هو القضاء. وحيث إن القدر المتيقن من كل منهما بين الاندراج تحت دليله الشامل له ولغيره دون ما عداه، فليؤخذ كل منهما بمقدار ما هو أقوى فيه من الآخر، فيصير الجمع دلاليا عرفيا بلا حاجة إلى الشاهد الخارجي حينئذ، فالقضاء حينئذ غير واجب. نعم: هو مستحب مؤكد حسب لسان بعض أدلة الاثبات، وكم له من نظير! نحو غسل الجمعة حيث إنه أكد بما يعبر به عن الواجب.
ولا يتوهم: أنه مع ذهاب الأصحاب إلى الوجوب مطلقا بلا ميز بين الأداء والقضاء، فمن أين يمكن الحكم بعدم لزوم القضاء؟ لأنه يمكن أن يكون من باب الاجتهاد في الجمع بترجيح طائفة الاثبات على النفي سندا بعد اليأس عن الجمع الدلالي - حسب استنباطهم - فلا اعتداد بالاجماع الكذائي، فضلا عن الشهرة.
نعم: لو أبيت عن العلاج بما اخترناه لكان المخلص هو خيرة الأصحاب: من الوجوب مطلقا، لأن نصوصه أكثر وأشهر، مع اشتمالها على الصحاح، ومع أن نطاق غير واحد منها الفصل بين الجهل والنسيان، فلو لم يجب في الثاني كالأول لما كان له مجال، اللهم اعتبار تأكد الاستحباب.
ولا يلائمه أيضا ما في بعضها من التعبير بالعقوبة، وفي بعضها التعبير بالتضييع.
والحاصل: أنه لولا الوجه الأول لتعين الثاني، فلا وجه لحمل الاثبات على الندب مطلقا بأن لا يجب الأداء.