حيث إنه جعل هذه الحكمة - وهي الانحفاظ عن التهييج - علة للمنع المطلق مع جعل تشخيصها بيد الشرع لا المكلف، وقد مر أن المدار هو ما يكون عرضة له لا ما هو الحاصل بالفعل، ومن المعلوم: أن ما هذا شأنه يجب الاجتناب عنه، بلا تفاوت بين ما يكون بلا واسطة أو معها.
وهذا نظير جعل العدة وتشريعها لحكمة انحفاظ الرحم عن اختلاط المياه، فيحكم حينئذ بحرمة التلقيح الموجب له وإن لم يكن على المجرى العادي، إذ المدار ذاك الغرض، لا الجرى العادي حتى يحل التلقيح مثلا.
وفي رواية " عقاب الأعمال " عن رسول الله صلى الله عليه وآله... ومن ملأ عينيه من امرأة حراما حشاهما الله يوم القيامة بمسامير من نار... الخ (1).
وفي حديث المناهي... من ملأ عينيه من حرام... الخ، بلا أخذ الامرأة.
ولا ريب في أن ملأ العين كما يحصل بالنظر المحرم إلى الأجنبية بلا واسطة، كذلك يحصل به معها، ولم يؤخذ فيها عنوان النظر حتى يتخيل انصرافه عما يكون مع الواسطة، بل عنوان الملأ الصادق معها أيضا.
وفي صدر هذه الرواية (أي رواية عقاب الأعمال): من اطلع في بيت جاره فنظر إلى عورة رجل أو شعر امرأة أو شئ من جسدها كان حقا على الله أن يدخله النار مع المنافقين الذين كانوا يتبعون عورات النساء في الدنيا... الخ.
ولا خفاء في أن المستفاد من هذه الفقرة، هو مبغوضية الاطلاع على العورة أو شعر المرأة أو شئ من جسدها، بلا امتياز فيها بين النظر المنتج له بلا واسطة أو معها، إذ لا يمكن أن يتفوه بجواز الاطلاع عليها بالمرآة أو الماء الصافي ونحو ذلك، إلى غير ذلك مما يستفاد منه المنع.