الاعتداد بالكراهة الطارئة فيما لو طابت نفسه بوضع حجرة أو خشبته في البناء أولا، ثم بعد الوضع والبناء ندم وبدا له، فكره بعد الطيب، إذ لا ريب في عدم الاعتداد بهذه الكراهة المستلزمة لذهاب حق الغير، لأن غرائز العقلاء في أمثال المقام على أن الإذن والرضاء السابق بمنزلة إعطاء حق لازم، بحيث لا يمكن إبطاله وإذهابه.
والمهم هو الفحص عن كونه إعطاء لحق أو إباحة خاصة - نحو إطعام الضيف - حيث إنه يمكن للمالك المطعم أن يرجع عن إذنه قبل الالتقام وإن كانت اللقمة في يد ذاك الضيف مثلا، وأما بعد الازدراد والبلع، فلا، لاستفادة مجرد الإباحة من الإذن قبل الأكل مع استفادة الحقية منه بعده، فلا يصح المنع حينئذ، فيلزم التأمل في أن الإذن في الصلاة هل هو مجرد إباحة أو اعطاء حق، فعلى الأول يجوز الرجوع، دون الثاني. ولكنه بعيد، لقوة احتمال الإباحة، فقياس ذلك مع الإذن في الرهن مع الفارق، إذ الثاني بمنزلة الضرر المقدم عليه، دون الأول.
وأما الأمر الثاني: فكأن يأذن في دفن المسلم في ملكه، حيث إن الدفن وإن كان واجبا كفائيا ولكن النبش حرام عيني، فيحرم على كل مكلف أن ينبشه ومنه (المالك الإذن) فيحرم عليه نبشه، كما يحرم على من دفنه أيضا، بلا ميز، فهذا الحكم التكليفي العام موجب لسقوط اعتبار طيب نفسه، لأن الطيب والكراهة وإن كان لهما مبادي نفسانية خاصة يجبان بها ويمتنعان دونها، إلا أن إناطة الأحكام بهما مختلفة. والمدعى أن في مثل المقام لا اعتداد بالطيب، وإلا لزم النبش المحرم، وهذا أيضا نظير ما مر في الأمر الأول، فلا يقاس بالإذن بالصلاة، لأن قطعها على فرض الحرمة خاص بالمصلي لا غير، لأنه تكليف يخصه، فحينئذ يمكن تبدل طيب نفس المالك بالكراهة، وليس عليه - أي على المالك - شئ وضعي أو تكليفي يمنع عن نفوذ كراهته، إذ ليس الإذن في الصلاة بمنزلة إعطاء حق للغير - كما مر - بل مجرد إباحة التصرف يدور مدار طيب النفس حدوثا وبقاء.