تحقق ذاك المسبب القهري - أي القتل في المثال - لا ذنب أصلا حتى يتاب عنه، لأن المحرم الشرعي إنما هو المسبب لا السبب، وبعد تحقق ذلك المسبب لا إمكان للتوبة، إذ لا تائب حتى يتوب، وهو كما ترى!
فصحة التوبة بالقياس إلى لاحق ضروري اللحوق تامة، فحينئذ يمكن أن يتوب الغاصب ويندم رأسا، ولكن أثر هذه التوبة مختلف بالقياس إلى السابق واللاحق، إذ تأثيرها بالقياس إلى السابق إنما هو بانتفاء العقاب لا أصل الحرمة، لأن التصرف السابق صدر حراما ولا معنى لانقلابه مباحا، وأما بالقياس إلى اللاحق فبانتفاء الحرمة، فلا نهي مولوي حينئذ.
ومعه يمكن الاتيان بصلاة المختار الواجدة للأجزاء والشرائط، لأن المانع على مبنى امتناع اجتماع الأمر والنهي كان أحد أمور:
الأول: عدم تمشي قصد القربة فيما هو حرام، ومن الواضح انتفاء هذا المحذور، إذ لا حرمة حتى لا يتمشى قصد القربة.
الثاني: عدم كون المبعد مقربا، وهو أيضا منتف، إذ لا يكون التصرف اللاحق مبعدا، وإلا لما صار التائب طاهرا كيوم ولدته أمه وكمن لا ذنب له، لأن من آثار يوم الولادة عدم البعد، وكذا من آثار من لا ذنب له، فلا مبعد في البين حتى لا يكون مقربا، بل الأمر ينحصر في المقرب وحده.
الثالث: لزوم المصلحة الغالبة في نفس الفعل حتى يصلح لأن يتقرب به، فما فيه الفساد غير صالح لأن يتقرب به، فلا يمكن للعبد أن يتقرب بقتل صديق المولى زعما بأنه عدو، إذ العبد وإن كان معذورا عند الجهل بالموضوع، ولكن فعله غير صالح للتقرب به. نعم: يمكن التقرب من جهة الانقياد الخارج عن البحث الدائر حول الحسن الفعلي لا الحسن الفاعلي، فعلى هذا المحذور لا مجال لصلاة المختار، إذ لا تكون صالحة للتقرب بها والحال هذه، لأن التوبة وإن أوجب طهارة الفاعل من الذنب، ولكن لا تؤثر في الفعل بأن تجعله صالحا للتقرب به.