منها مصلحة تخصه - فيراها كذلك ويبعث إليها هكذا، ولامرية أيضا في تعدد البعث بتعدد تلك الأفراد، فهيهنا إطاعات ومعاصي، وهذان القسمان مما لا كلام فيه، لظهور الخطاب الخاص بكل منهما فيه لفظا.
وأما إذا انحدر البعث نحو طبيعة لم يعلم حالها ولم يأت المولى في خطابه بما يشرح كيفية بعثه: من كونه على النحو الأول أو الثاني، فبعد إجراء مقدمات الاطلاق ينتج ما هو المساوق للقسم الأول - أي الاكتفاء بالصرف - لأن العقل قاض بأن الطبيعة إذا انحدر نحوها البعث فلا بد من دخالة الوجود لها، فلا بد من انقداحه لدى المولى، فأصل الوجود لا محيص عنه. وأما كونه بنحو السريان فيحتاج إلى مؤنة زائدة مطرودة بالاطلاق، فيكتفي بأول الحصول، لا أن اللفظ قد استعمل فيه أو قيد به، بل لعدم الدليل على الزائد عنه. هذا في الأمر النفسي الذي فيه البعث إلى شئ، وسنشير إلى اتحاد الأمر الغيري معه.
وأما النهي: فيتأتى فيه هذا التقسيم أيضا، إلا أنه له ميزا من وجهين لا بد من بيانهما، أما الأول: فهو أن النهي إذا كان على النحو الأول - المأخوذ فيه ما يدل على أن المفسدة قائمة بصرف الوجود - يلزم ترك جميع الأفراد صونا عن تلك المفسدة، إذ بمجرد ترك الفرد الأول وإن صين عن الفساد الناشئ منه على فرض وجوده، ولكن هذا النشوء والبروز مترقب من غيره من الأفراد الأخر، فيجب تركها بأسرها حتى لا يتحقق الفساد رأسا. نعم: لو عصى باتيان فرد لسقط النهي، إذ لا موضوع حينئذ حتى يبقى له الحكم.
وأما الميز الثاني: فهو أن النهي إذا كان على النحو الثالث ينتج إجراء مقدمات اطلاقه ما هو المساوق للقسم الثاني - أي الطبيعة السارية - فيجب الاحتياط وترك الجميع. ومبدأ هذين الميزين أمر واحد لا محيص في حل ما اعتصاص فيه عن التمسك بذيل الغريزة العرفية، وبيان ذلك فيما يلي: وهو أن الطبيعة كما