في القضية الحقيقية منحدر نحو الشئ المستوعب لجميع الأفراد المحققة والمقدرة الملحوظة ولو إجمالا. فقد أتى على هذا الشئ حين من الدهر لم يجعل الشرطية أو المانعية له، فإذا شك في التبدل بجعلها له يحكم ببقاء على ما كان من العدم.
ولا ميز فيما هو المهم هنا بين نشوء هذا الشك من الشبهة المصداقية أو غيرها، ولكن لبعض المتأخرين هو " المحقق النائيني ره " مقال في المنع غير خال عن النقد، ومغزاه النقاش في الجريان لوجهين: أحدهما - أن استصحاب عدم جعل الشرطية لهذا لا يثبت وجوب الباقي، لأن لحاظ الطبعية المصحوبة بذاك المشكوك تارة المجردة عنه أخرى مما لا بد منه، ولا رجحان لأحدهما على الآخر، فأين يرجح الأقل ويثبت وجوبه بعد زوال الشرطية وعدم وجوب الأكثر مع تعارض الأصلين.
وثانيهما: أن الأثر مترتب على المجعول لا الجعل الذي هو فعل الشارع، فانتفاء الثاني غير مجد ما لم ينتف الأول، وهو الشرطية.
وفيه: أولا - إن لحاظ أصل الطبيعة مما لا بد منه في الأقل والأكثر، والميز بينهما بلحاظ أمر زائد عليها في الثاني وبلا لحاظ ما عدا لحاظها في الأول، إذ ليس معنى وجوب الأقل هو لحاظ إطلاقه بأن يكون اللا بشرط قسميا، بل معناه عدم لحاظ شئ آخر معه بأن يكون مقسميا، فليس فيه مؤنة زائدة وراء لحاظ أصل الطبيعة، وهذا بخلاف الثاني المستلزم لتلك المؤنة البتة، فالزائد المسبوق بالعدم يطرد احتمال حدوثه بالأصل.
وثانيا - إن الجعل وإن كان غير المجعول اعتبارا، ولكن الأمر فيه سهل لا لخفاء الواسطة، بل لانحدار الأصل نحو المجعول مستقيما، وهذا كاستصحاب عدم جعل الوجوب النفسي لشئ، فما قيل هناك يقال هنا أيضا، إذ لا مرية في عدم الامتياز بينه وبين الوجوب الغيري في هذه الجهة، كما أنه لا ريب في جواز جريان أصالة عدم الوجوب، فتوهم الاثبات وعدم الجريان فيهما واحد، وازاحته أيضا فيهما فاردة.