توجد بوجود فرد ما كذلك تنعدم بانعدام فرد ما، إذ كما أن لها وجودات باعتبار الأفراد كذلك لها أعدام باعتبارها، وكما أن الوجود الأول الناقض للعدم يصدق عليه: أنه صرف الوجود، كذلك العدم الناقض للوجود يصدق عليه: أنه صرف العدم، فما السر في لزوم ترك جميع الأفراد إذا كان النهي بنحو الصرف أو أنتجه الاطلاق؟
والحل هو أنه وإن كان كذلك عقلا، إلا أن المعهود في باب النواهي لما كان بنحو الطبيعة السارية في جميع الأفراد التي لكل منها مفسدة تخصه، فهذا التكرر والتداول يوجب للخطاب ظهورا في العرف خاصا يستكشف منه ما هو المساوق للطبيعة السارية، فيلزم ترك الجميع صونا عن الوقوع في تهلكة تلك المفسدة المهروب عنها. نعم: يكون بين لزوم الترك في القسم الأول والثالث ولزومه في الثاني فرق نتعرض له. هذا في النهي النفسي.
ولما كان وزان الأمر والنهي الغيريين وزان ما مر من النفسيين، لأن الحكم وضعيا كان أن تكليفيا يستفاد من الهيئة الواحدة في ذينك الصنفين، فيتأتى في الغيري منهما ما كان متأتيا في النفسي. فحينئذ ينقسم الشرطية أو المانعية إلى تلك الأقسام، مع ما بين الأمر المفيد للشرطية والنهي المفيد للمانعية من الميز المار بين النفسي منهما.
ثم إن الفرق بين الشرطية والمانعية، هو أن بعد إحراز شرطية شئ لا بد من إحراز وجوده، للعلم بدخالة تقيده، فيحتاط في المشكوك. وأما المانعية:
فحيث إن المزاحم فيها هو وجود شئ بلا دخالة لتقيده فلا يحتاط، لامكان إحراز عدمه بالأصل - كما يتضح في الجملة.
وحيث إنه قد تحقق الأمر فيما نحن فيه: من أن المجعول هو مانعية غير المأكول لا شرطية المأكول، فيلزم البحث عن الاشتغال والبراءة عليها - أي على المانعية - وذلك: بأن النهي المفيد لمانعية غير المأكول إن كان بنحو الصرف