نعم: تختلف هذه المذكورات في مراتب الانصراف شدة وضعفا مع اشتراكها جميعا في أصله. والذي يقوى في النظر هو (الثاني) وذلك لقيام السيرة القطعية على عدم الاجتناب عن الدموع المصبوبة حال الصلاة خوفا من جلال الله تعالى كما في الأولياء، أو الغزيرة المصبوبة في مأتم أهل البيت عليهم السلام، أو في مصائب أخرى، مع الصلاة بلا غسل وازالتها، وكذا المياه الأخر الخارجة من الأنف والفم والأذن، أو حال الحركة العنيفة والحرارة المطيفة بالبدن الموجبة للعرق، وما إلى ذلك من الشعر والظفر وغيرهما، بلا فرق في ذلك بين الإمام عليه السلام وغيره، لأن الإنسان كله في ذلك سواسية، هذا بالنسبة إلى نفسه. وأما بالنسبة إلى غيره فكذلك أيضا، إذ قلما ينفك الإنسان عن تقبيل أولاده الصغار المصحوبين مع فضلاتهم الطاهرة سيما الدمع والعرق، بل وكذا الزوجة عند المضاجعة، وحشر الناس بعضهم مع بعض عند التصافح صيفا وشتاء، إلى غير ذلك من النظائر المختلفة في الابتلاء شدة وضعفا الموجبة لاختلاف مراتب الانصراف كذلك.
فمع الالتفات إلى هذه السيرة القطعية المتصلة إلى عصر الوحي والحديث لو صدر المنع عن ما لا يؤكل لانصرف إلى ما عدا مورد السيرة الحتمية لا محالة فيكون المراد الجدي مما لا يؤكل لحمه هو غير الإنسان من أنواع الحيوان، فحينئذ لا يدور الأمر مدار التعارف وأن الشعر الموصول كان متعارفا وأما المتخذ منه اللباس فلا، لأنهما وإن اختلفا في التعارف وعدمه، ولكن المقسم وهو خروج الإنسان رأسا مشترك فيه بينهما، فعليه لا غرو في تجويز الصلاة في اللباس الكذائي أيضا.
نعم: لو كان الخروج بالتخصيص للزم الاقتصار على نطاق دليله، مع بقاء ما عداه تحت عموم المنع. نحو ما رواه عن علي بن الريان بن الصلت، أنه سأل أبا الحسن الثالث عليه السلام عن الرجل يأخذ من شعره وأظفاره ثم يقوم إلى الصلاة من غير أن ينفضه