الخاص والعام، وبين مصنفي غريب الأحاديث من أهل اللغة كالمبرد وأبي عبيدة وغيرهما، فإن المبرد ذكر ذلك في كامله، فلا يتوهم متوهم أن المراد بقوله - عليه السلام -: (لا يجوز أن يبيع حاضر لباد) معناه: لا يبيع الحاضر للبادي، أو لا يبيع الحاضر على البادي. قال: وهذا لا يقوله من له أدنى تحصيل، فإني شاهدت بعض متفقهة أصحابنا وقد اشتبه عليه ذلك وقال: المراد به ما أوردته أخيرا: من أنه لا يبيع حاضر شيئا على باد، وهذا غاية الخطأ ومن أفحشه، وهل يمنع من أن يبيع حاضر على البادي أحد من المسلمين؟! ولو أراد ذلك - عليه السلام - لما قال: (ولا يجوز أن يبيع حاضر لباد) بل كان يقول:
(ولا يجوز أن يبيع حاضر على باد) فلما قال: (لباد) دل عليه أنه لا يكون سمسارا له. قال: ووجدت بعض المصنفين قد ذكر في كتاب له قال: (نهي أن يبيع حاضر لباد) ومعنى هذا النهي - والله أعلم - معلوم من ظاهر الخبر: وهو الحاضر للبادي، يعني: متحكما عليه في البيع بالكره، أو بالرأي الذي يغلب به عليه - يريد أن ذلك نظر له -، أو يكون البادي يوليه عرض سلعته فيبيع دون رأيه، وما أشبه ذلك. فأما إن دقع البادي سلعته إلى الحاضر ينشرها للبيع ويعرضها ويستقصي ثمنها ثم يعرفه مبلغ الثمن فيلي البادي البيع بنفسه أو يأمر من يلي ذلك له بوكالته فذلك جائز، وليس في هذا من ظاهر النهي شئ، لأن ظاهر النهي إنما هو أن يبيع الحاضر للبادي، فإذا باع البادي بنفسه فليس هذا من ذلك بسبيل كما يتوهمه من قصر فهمه، قال: هذا آخر الكلام أحببت إيراده هنا ليوقف عليه، فإنه كلام محصل سديد في موضعه. فأما المتاع الذي يحمل من بلد إلى بلد ليبيعه السمسار ويستقصي في ثمنه ويتربص فإن ذلك جائز، لأنه لا مانع منه، وليس كذلك في البادية (1).