ومنع ابن إدريس من ذلك، ونسب هذا القول أنه خبر واحد شاذ رواه الشيخ عن ابن سنان لا يجوز العمل به ولا التعويل عليه، لأنا قد بينا أن البيع على ضربين: بيع سلم ولا بد فيه من التأجيل، وبيع عين إما مرئية مشاهدة أو غير حاضرة وهو ما يسمى بخيار الرؤية، وما أورده الشيخ خارج عن هذه البيوع لا مشاهد ولا موصوف يقوم مقام المشاهدة فدخل في بيع الغرر، والنبي - صلى الله عليه وآله - نهى عن بيع الغرر. وعن بيع ما ليس عند الإنسان ولا في ملك إلا ما أخرجه الدليل من بيع السلم، ولأن البيع حكم شرعي يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي، لا يرجع عن الأمور المعلومة بالدلالة القاهرة وبالأمور المظنونة وأخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا (1).
وابن أبي عقيل قال: البيع عند الرسول - صلى الله عليه وآله - بيعان:
أحدهما: بيع شئ حاضر قائم العين، والآخر: بيع شئ غائب موصوف بصفة مضمونة إلى أجل. والحق ما قاله الشيخ.
لنا: الأصل الجواز. وعموم الأدلة المسوغة للبيع.
ولأن المقتضي للصحة موجود والمانع منتف فتثبت الصحة. أما وجود المقتضي فلأن الأدلة تقتضيه، ولأنه بيع وقع من أهله في محله فكان سائغا كغيره من المبيعات، ولأن الحاجة إلى هذه المعاوضة مما يتفق كثيرا، فلولا المشروعية لزم الحرج. وأما نفي المانع فنقول: المانع هنا إما عدم الأجل وهو باطل ببيع المشاهدة وخيار الرؤية، وإما الإطلاق وهو باطل بالسلم، ولا مانع سواهما عملا بالأصل والسبر والتقسيم.
ولأن مشروعية السلم تستلزم مشروعية هذا النوع من المعاوضة، إذ الأجل إنما جعل إرفاقا لمن عليه الحق، لا أنه شرط في تلك المعاوضة فتكون المعاوضة