الموصل الأخبار التي يرويها أصحابنا المتضمنة لنفي الربا بين من ذكرناه على أن المراد بذلك - وإن كان بلفظ الخبر - معنى الأمر، كأنه قال: يجب ألا يقع بين من ذكرناه ربا، كما قال تعالى: (ومن دخله كان آمنا) ولقوله تعالى: (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) وقوله - عليه السلام -: (العارية مردودة والزعيم غارم) ومعنى ذلك كله معنى الأمر أو النهي وإن كان بلفظ الخبر.
واعتمدنا في نصرة هذا المذهب على عموم ظاهر القرآن فإن الله حرم الربا على كل متعاقدين، لقوله تعالى: (ولا تأكلوا الربا) وهو شامل للوالد وولده والرجل وزوجته، ثم قال: لما تأملت ذلك رجعت عن هذا المذهب، لأني وجدت أصحابنا مجمعين على نفي الربا بين من ذكرناه وغير مختلفين فيه في وقت من الأوقات، وإجماع هذه الطائفة قد ثبت أنه حجة ويخص بمثله ظواهر القرآن، والصحيح نفي الربا بين من ذكرناه، وإذا كان الربا حكما شرعيا جاز أن يثبت في موضع دون موضع كما يثبت في جنس دون جنس وعلى وجه دون وجه، فإذا دلت الأدلة على تخصيص من ذكرناه وجب القول بموجب الدليل.
قال: ومما يمكن أن يعارض ظواهره به من ظواهر القرآن، إن الله تعالى قد أمر بالإحسان والأنعام، مضافا إلى ما دل عليه العقول من ذلك، وحد الإحسان إيصال النفع لا على وجه الاستحقاق إلى الغير مع القصد إلى كونه إحسانا، ومعنى الإحسان ثابت فيمن أخذ من غيره درهما بدرهمين، لأن من أعطى الكثير بالقليل وقصد به إلى نفعه فيه فهو محسن إليه، وإنما أخرجنا من عدا من استثنيناه من الوالد وولده والزوج وزوجته بدليل قاهر تركنا له الظواهر، وهذا ليس مع المخالف في المسائل التي خالفنا فيها، فظاهر أمر الله تعالى بالإحسان في مواضع كثيرة، كقوله تعالى: (وأحسن كما أحسن الله إليك) وقوله تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان) معارض للآيات التي ظاهرها عام في تحريم الربا، فإذا قالوا بتخصيص آيات الإحسان لأجل آيات الربا،