وسيأتي الكلام في الانصراف وما يناسبه.
الاعتراض الثاني على ثبوت الخيار للوكيل في مجرد العقد ومنها: أن دليل لزوم العقد وهو قوله تعالى: (أوفوا بالعقود) (1) - سواء كان وجوب الوفاء فيه، عبارة عن وجوب إبقاء العقد، أو وجوب العمل بمقتضاه - متوجه إلى المالكين، أو إلى من له الأمر، كالأولياء، والوكيل المطلق المستقل.
والوكيل في مجرد إجراء الصيغة، لا يجب عليه الوفاء بأي من المعنيين، وحيث إن أدلة الخيار مقيدة لدليل وجوب الوفاء، فلا بد وأن يختص الخيار بمن يجب عليه الوفاء، ولا يعم الأجنبي (2)، وهذا التقرير أسد من غيره.
وفيه: أن وجوب الوفاء إما حكم تكليفي، يستفاد منه حكم وضعي; هو لزوم العقد، وإما كناية عن لزومه، على ما قررناه سابقا في محله (3)، ولا يعقل أن يكون دليل الخيار، مقيدا للوجوب التكليفي; فإن تقييد الحكم التكليفي بالوضعي، مما لا معنى معقول له.
وبعبارة أخرى: إن الاستثناء إنما يصح على وجه الحقيقة، إذا كان المستثنى داخلا في المستثنى منه، وما هو خارج منه لا يعقل استثناؤه إلا بنحو المجاز والانقطاع، فأدلة الخيار مقيدة لما يستفاد من قوله تعالى بطريق الكناية، أو بنحو الاستلزام، لا مقيدة للوجوب التكليفي على فرض، ولا للعنوان المأتي به كناية عن غيره.