ومن الواضح الفرق بينها، فإن التسامح مع العلم في غاية الندرة إلا مع عوارض خارجية، بخلاف التسامح مع الجهل والالتفات، أو بعد العقد.
ويحتمل قريبا أن يكون المراد ب «التغابن» في الرواية وكلام من عبر بمثلها، أن يغبن الناس بعضهم بعضا بمثله; لأن التساوي حقيقة بين الثمن والمثمن في القيمة في غاية الندرة، ولا سيما في عصر صدور الرواية، بل في أعصار أهل المتون مما لم يعهد فيها تثبيت قيم الأمتعة، وفي عصرنا أيضا كذلك في غير ما له قيمة ثابتة، ولا سيما في بعض النواحي.
فسنة الأسواق مطلقا على التغابن، والبيع بزيادة أو نقيصة طفيفة، لا مع العلم، بل مع الجهل بالقيمة بالنظر الدقيق.
فقوله: «ما يتغابن الناس بمثله» (1) معناه أنه إذا كان التفاوت يسيرا، يقع التغابن به في نوع المعاملات، وتقع غالبا مع الاختلاف بمثل ذلك، وكان غبن أحد المتعاملين بمثله متعارفا بحسب نوع المعاملات، فلا خيار، وإنما الخيار فيما إذا وقعت المعاملة على خلاف سنة السوق; بأن يكون التفاوت فاحشا، والغبن بينا، وإلا لزم وقوع جميع المعاملات - إلا نادرا - خياريا، وهو باطل عند العقلاء وعلى مذاق الشرع والفقه.
وعلى هذا، يسقط كثير من الاحتمالات الواقعة في كلمات المحشين لكلام الشيخ (قدس سره) (2).