بل المراد: أن خصوص وجوب الوفاء محمول على ذلك، فرفع اليد عن العموم بلا حجة، لا وجه له، فالعموم على عمومه، ووجوب الوفاء هو اللزوم العقلائي، فتدبر.
ثم لو فرض أن الوجوب هو الوجوب الشرعي التعبدي، لا يضر بالمقصود; من الدلالة على اللزوم بالتقريب المتقدم، هذا على ما هو التحقيق: من أن الوفاء عبارة عن العمل بالمقتضى.
وأما لو قلنا: بأنه الإبقاء للعقد، وقوله تعالى: (أوفوا بالعقود) بمعنى حافظوا عليها، فيحتمل أن يكون الأمر به حكما تكليفيا تعبديا، ولازمه جعل العقود جائزة أو خيارية، ثم الأمر بعدم هدمها (1).
وهذا مما لا ينبغي أن ينسب إلى المتعارف من الناس، فكيف بالحكيم؟! بل يجب تنزيه كلامه عنه; فإن جعل العقود اللازمة عند العقلاء جائزة، أو جعل الجواز للعقود، ولو مع الغض عن حكم العقلاء، ثم الإلزام بإبقائها وعدم هدمها، من غرائب الأمور عند العقلاء.
ويتلوه في الغرابة، جعل وجوب الوفاء إرشادا إلى الجواز وكناية عنه; فإنه من قبيل الألغاز والاحجية.
مضافا إلى عدم إمكان الكناية والإرشاد إلى الجواز إلا إذا كان الحكم الإلزامي جديا، ولعل الجمع بين ذلك والإرشاد غير جائز، ولو جاز لم يحمل الكلام عليه إلا مع القرينة، مع عود المحذور المتقدم على فرض الحكم التكليفي الجدي.