وأما عدم تمشيه: فلأجل امتناع الاجتماع مع رجحان النهي فلا أمر حتى يتقرب بداعية، ولا ملاك أيضا، إذ المفروض أنه اعتقد كونه مبعدا من ساحة المولى فكيف يكون واجدا لملاك القرب! بناء على أنه هو المحذور في الباب كما استند إليه غير واحد، وإن مر التحقيق البالغ في ذلك كله.
وأما إذا اعتقد الإباحة: فلا إشكال في تمشي قصد القربة بالأمر فضلا عن الملاك، إنما الكلام في الحكم بصحة الصلاة حينئذ بلا إشكال - كما في المتن - مع أنه غير خال عنه.
إذ المحذور لو كان هو (عدم التمشي) المذكور فلنفي الاشكال حينئذ مجال وكذا لو كان المحذور هو (عدم امكان المقربية لما يكون مبعدا) حيث إنه لا يكون الفعل حينئذ مبعدا - للجهل بالموضوع - فيكون الفاعل معذورا. وأما إذا لم ينحصر فيهما بل اعتبر في الصحة زائدا عليهما صلوح الفعل للتقرب بأن تكون مصلحته غالبة على المفسدة فليس لنفيه مجال، إذ لا ريب في أن الواقع باق بحاله على ما هو عليه بلا تغير ولا تبدل بمجرد العلم والجهل، فمن جهل الغصبية واعتقد الإباحة لا يصير ذاك المغصوب مقربا بلحاظ الواقع البتة. نعم: يكون المكلف معذورا ما دام جاهلا بها، وأين هو من القرب؟ واستوضح ذلك: بعبد يقتل ابن المولى بتخيل أنه عدوه، إذ لا مرية في كون هذا العمل مبغوضا للمولى واقعا، إلا أن العبد معذور في إتيانه، فلا يعاقب عليه، لا أنه يثاب عليه، وأما الثواب للانقياد فهو أمر آخر.
والحاصل: أن الحسن الفعلي مفقود في البين حتى ينضم إلى الحسن الفاعلي - على ما يحتال به في بعض الموارد لتصحيح العبادة - فجزم " الماتن " بالصحة غير مستقيم على مبنى عدم صلوح القرب لما يكون مبعدا.