على ما هي عليه - لم يكن دليل على شمول دليل نفي الضرر لمثلها، وإطلاق الدليل لا يشمل ما خرج عنه موضوعا.
بل يمكن الإشكال ولو على فرض تشريع الشارع الأقدس الصحة واللزوم على طبق بناء العقلاء عليهما:
إما بأن يقال: إن الضرر لم يرد على الناس من قبل تشريع الشارع، بل هو وارد عليهم، شرع اللزوم والصحة، أم لم يشرع، فيمكن معه أيضا دعوى عدم الضرر والضرار في أحكامه.
أو بأن يقال: إن نفي تشريع الضرر، لا يكفي لسلب صحة المعاملات الضررية ولزومها، بل ما هو المؤثر هو ردعهم عن بنائهم، فسلب التشريع لا ينافي الصحة واللزوم، وما هو المنافي - أي الردع - لا يكون مفاد نفي الضرر.
ولو نوقش فيه بأن يقال: إن نفس الإمضاء والإنفاذ، بما أنه من الأمور الإنشائية الجعلية، إذا كان ضرريا يشمله دليل نفي الضرر.
يرد عليه: أن إنشاء الإنفاذ لا دخالة له في جواز العمل، بل عدم الردع يكفي في ذلك ولو قلنا: بأنه لأجل كشف رضاه، وهو أيضا ليس بتشريع حتى يشمله دليل نفيه، والشاهد عليه أنه لو علمنا برضاه ولو من سكوته، كفى في ذلك.
نعم، يمكن أن يقال: إن التشريع الموافق لبناء العقلاء، لا يخرج عن الحكم التشريعي، ومع ضرريته عن كونه تشريعا ضرريا، ونفي التشريع بدليل نفي الضرر، كاف في بطلان المعاملة، أو سلب لزومها، وإن كان ذلك لأجل أن لازمه الردع عرفا، وكون الردع من اللوازم العقلائية - كما أنه كاف في ذلك - يوجب أن تكون الصحة أو اللزوم مشمولة لدليل لا ضرر، والمسألة بعد لا تخلو من إشكال.