دعوى الاجماع عليه ولكن التأمل الصادق يعطى ظهورها فيما اخترناه من أنها هي الاستقامة الواقعية قد يعبر عنها بالحالة النفسانية أو الملكة أو غير ذلك من العبائر التي تقدمت الإشارة إليها في صدر المبحث وعمدة ما يصح الاستشهاد به للأول هو قوله عليه السلام في رواية علقمة فمن لم تره بعينك يرتكب ذنبا ولم يشهد عليه بذلك شاهدان فهو من أهل العدالة والستر وشهادته مقبولة وان كان في نفسه مذنبا فإنه صريح في عدم كون مقارفة الذنب متسترا به منافية للعدالة فالعبرة في عدالة الرجل يكون ظاهره ظاهرا مأمونا كما وقع التعبير بهذه العبارة في مرسلة يونس المتقدمة حيث ورد فيها فإذا كان ظاهر الرجل ظاهرا مأمونا جازت شهادته ولا يسئل عن باطنه ولكن ظاهر هذه المرسلة ان اعتبار حسن الظاهر في المقام كاعتبار ظاهر الحال فيما عداه مما عداه في الرواية من باب الطريقية كما أن ظاهر سائر الروايات التي أوردناها دليلا لاعتبار حسن الظاهر ليس الا ذلك فيمكن الجمع بينها بالالتزام بان العدالة هي الاعتدال والاستقامة الواقعية ولكن لا يعتبر بلوغها إلى حد ينتهى درجة العصمة أو قريبة منها بل الاستقامة العرفية الموجبة لاتصاف الشخص لدى العرف والعقلاء بكونه من أهل الخير والديانة والصلاح كما هو المنساق من اطلاق قوله تعالى ذوى عدل منكم وكذا الروايات الواردة في باب الشهادة من مثل قوله عليه السلام في خبر أبي بصير لا باس بشهادة الضيف إذا كان عفيفا صائنا وفي رواية العلاء بن سبابة عن الملاح والمكارى والجمال لا بأس بهم تقبل شهادتهم إذا كانوا صلحاء ضرورة انه لم يقصد من اطلاق الآية ومثل هذه الأخبار المرتبة الكاملة التي يعز وجودها في الأنام بل المرتبة المتعارفة الشايعة فيما بين المسلمين المبالين بالدين وهى غير منافية لصدور الذنب منهم أحيانا ولا يكاد يفهم من رواية علقمة ما ينافي ذلك بل المتأمل في هذه الرواية يراها أبلغ في إفادة اعتبار حسن الظاهر من باب الطريقية لا الموضوعية من غيرها من الاخبار فان قوله عليه السلام فمن لم تره بعينك يرتكب ذنبا ولم يشهد بذلك شاهدان لا يصلح ان يكون سببا لثبوت وصف العدالة له من حيث هو بل لثبوته عندك في مرحلة الظاهر كما لا يخفى على المتأمل فالقول بأن حسن الظاهر الذي هو عبارة عن الاستقامة الظاهرية هي العدالة الواقعية ضعيف لا يقال حيث يمتنع عادة احراز العدالة الواقعية الا بحسن الظاهر لا ينسبق إلى الذهن من الأدلة التي ورد فيها تعليق حكم على العدالة الا إرادة من كان عدلا بحسب الظاهر نظير ما لو امر المولى عبده باكرام هاشمي فإنه لا يتبادر منه الا إرادة واحد من المعروفين بالهاشمية لا الهاشمي الواقعي الذي لا سبيل له إلى احرازه عادة فيصح حينئذ ان يقال إن العدالة التي اعتبرها الشارع موضوعا لأحكامه عبارة عن حسن الظاهر لأنا نقول إن ذلك لا يقتضى اخذ العدالة الظاهرية مناطا لحكمه بل الاكتفاء بهذا الظاهر في مقام الإطاعة ما لم يعلم بمخالفته للواقع ففي المثال لم يقصد المولى من لفظ الهاشمي من كان معروفا بالهاشمية تجوزا بل الهاشمي الذي هو أحد هذه الاشخاص بمقتضى ظاهر حالهم فظاهر الحال في مثل هذه الموارد طريق عقلائي لاحراز الموضوع حيث لا طريق أوثق منه لا انه بنفسه مناط التكليف نفيا واثباتا ولذا لو علم في مورد بتخلفه عن الواقع لا يجوز له الاكتفاء به في مقام الإطاعة فتلخص مما ذكر ان العدالة هي الاستقامة الواقعية فيعتبر في كون الرجل عدلا كونه في الواقع مواظبا على الطاعات ومجتنبا عن المعاصي الظاهرية والباطنية كالكبر والحسد والشرك و النفاق والرياء في العبادات وغير ذلك من الأمور الخفية التي لا يطلع عليها غالبا الاعلام الغيوب ولكن الشارع اكتفى في الحكم بثبوتها بظاهر حاله فقال إن كان ظاهره ظاهرا مأمونا أجيزت شهادته ولا يسئل عن باطنه كما في بعض الأخبار المتقدمة ولم يعتبر في احراز حسن ظاهره الاستقراء التام المفيد للقطع الذي يتعذر أو يتعسر عادة في غالب موارد الحاجة إلى معرفة العدل بل اكتفى في الحكم بثبوته واظهار عدالته بين الناس أي الشهادة به احراز مواظبته على الطاعات في الجملة كحضور الجماعة ونحوها من غير أن يشاهد منه ذنب أو يشهد بذلك شاهدان أو كان بحيث لو سئلت حاله عن أهل محلته وقبيلته لقيل في حقه لا نعلم منه الا خيرا كما يدل على جميع ذلك الاخبار المزبورة المعتضدة بدليل الانسداد الجاري في مثل هذه الموضوعات التي يتوقف على احرازها نظام امر المعاش والمعاد ومن هنا يظهر الوجه فيما اشتهر بين الأصحاب من تقديم بينة الجرح على التعديل إذ لا يظهر من قول المعدل فلان عدل إرادة أزيد من كونه عدلا في نظره بمقتضى ظاهر حاله المستكشف له بالأمارات الظنية فهو بمنزلة ما لو قال لا اعلم منه الا خيرا فاخبار الجارح بمشاهدة صدور المعصية منه غير مناف له بل حاكم عليه حيث لا يبقى معه لحسن ظاهره الذي هو مستند شاهد التعديل عادة اعتبار لاشتراطه بعدم مشاهدة صدور الذنب منه أو شهادة شاهدين به بل لو صرح شاهد التعديل بعلمه بكونه عدلا في الواقع لا يثبت به ذلك على وجه يعارض بينة الجرح لان اخباره بالواقع على سبيل الجزم لا يكون عادة الا عن حدس غير مستند إلى مبادي محسوسة ملزومة له في العادة ولا عبرة بمثل هذه الشهادة كما تقرر في محله نعم قد يتحقق المعارضة بين الشهادتين كما لو اخبر الجارح بصدور الذنب منه في زمان أو مكان ينافيه قول المعدل كما لا يخفى ولتمام الكلام فيما يتعلق بمثل هذه المباحث مقام اخر ثم إنه اعتبر غير واحد في تحقق مفهوم العدالة الاجتناب عن منافيات المروة بل نسبه شيخنا المرتضى ره إلى المشهور بين من تأخر عن العلامة حيث عرفوها بأنها هيئة راسخة تبعثه على ملازمة التقوى والمروة والمراد بالمروة على ما قيل إن لا يفعل ما تنفر النفوس عنه عادة ويختلف ذلك باختلاف الاشخاص والأزمنة والأمكنة وربما يستدل له بان منافيات المروة منافية لمعنى العدالة التي هي عرفا ولغة الاستواء والاستقامة فإذا كان الرجل بحيث لا يبالي بالأشياء المنكرة عرفا لا يعد من أهل الاستقامة لديهم فينصرف اطلاق مثل قوله تعالى ذوى عدل منكم وقوله عليه السلام في صحيحة ابن أبي يعفور المتقدمة ان يعرفوه بالستر والعفاف بناء على أن يكون المراد منه ستر العيوب الشرعية والعرفية وفيها أيضا وكف البطن والفرج واليد واللسان بناء على أن منافيات المروة غالبا من شهوات الجوارح وفيها أيضا والدلالة على ذلك كله ان يكون ساترا لجميع عيوبه فان ارتكاب منافيات المروة عيب في العرف وفي الجميع نظر فان المنساق من اطلاق العدل في كلمات الشارع ليس
(٦٧٣)