مستقل يترتب على مخالفته عمدا الاثم دون الابطال وهذا بظاهره مناف لما ذكرناه من كون المتابعة مأخوذة عرفا في مفهوم الايتمام والاقتداء ولعله لذا ذهب الشيخ في المبسوط على ما حكى عنه إلى القول بأنه لو فارق الامام لا لعذر بطلت صلاته وربما يظهر من عبارة الصدوق المتقدمة أيضا ذلك ويحتمل قويا ان يكون مراد الشيخ بالمفارقة الانفراد بلا عذر لا التخلف عنه بركن أو أكثر مع كونه ناويا للايتمام كما هو محل الكلام و عن الموجز أنه قال ويجوز التخلف عن الامام بركن كامل والمتابعة أفضل واستظهر من هذه العبارة انه لا يرى المتابعة واجبة في الجماعة لا شرطا ولا شرعا وفيه تأمل فان تقييده التخلف بركن يشعر بعدم تجويزه له على الاطلاق فكأنه يرى أن المتابعة التي يجب رعايتها في الجماعة أعم مما حكم بكونه أفضل وربما نسب إلى صريح الشهيد في الذكرى والمحقق الثاني في الجعفرية أيضا القول بجواز التخلف عن الامام بلا عذر و أورد على هذه النسبة بأنه لا تعرض في كلامهما الا لكون التخلف غير مبطل للقدوة فعن الجعفرية أنه قال ولو تخلف بركن أو أزيد لم تنقطع القدوة انتهى وعن الذكرى أنه قال لو سبق الامام المأموم اتى بما عليه ولحق بالامام سواء فعل ذلك عمدا أو سهوا أو لعذر وقد مر نظيره في الجمعة ولا يتحقق فوات القدوة بفوات ركن أو أكثر عندنا وفي التذكرة توقف في بطلان القدوة بالتأخر بركن والمروى بقاء القدوة رواه عبد الرحمن عن أبي الحسن عليه السلام فيمن لم يركع ساهيا حتى انحط الامام للسجود انتهى وربما يظهر من بعض الميل أو القول ببطلان الجماعة دون الصلاة ويتوجه على ما نسب إلى المشهور مضافا إلى مخالفته لظاهر النبوي الموافق لما استظهرناه من مفهوم الاقتداء المعتبر في مهية الجماعة ان استحقاق الاثم على الاخلال بالمتابعة بتقدم أو تأخر لا ينفك غالبا عن وقوع الفعل الذي حصل به الاخلال كالركوع مثلا منهيا عنه فيفسد ويترتب على فساده فساد الكل لأنه ان اقتصر عليه لزم منه بطلان صلاته من حيث النقيصة ولو تداركه فمن حيث الزيادة العمدية ودعوى رجوع النهى إلى امر خارج عن مهية الصلاة وهو ترك القدوة مدفوعة بان مغايرتهما انما هو من حيث المفهوم والا فترك القدوة انما يتحقق بهذا الفعل الذي قصد به التقرب فهو فعل واحد يتصادق عليه عنوان الواجب والحرام فلا يصح وقوعه عبادة اللهم الا ان يقال إن حرمة المخالفة نشأت من جهة وجوب المتابعة فهي مبنية على كون الامر بالشئ مقتضيا للنهي عن ضده الخاص وهو ممنوع حسبما قررناه في محله هذا مع أنه بعد البناء على عدم اعتبار المتابعة في مفهوم الايتمام يشكل اثبات حرمته تعبدا والذي يقتضيه التحقيق هو انه لا بد في تحقق مفهوم الايتمام عرفا وشرعا من المتابعة الا ترى انه لو سبق المأموم الامام في مجموع صلاته أو تأخر عنه كذلك لا يعد مؤتما به ولكنه قد يلاحظ الايتمام بالنظر إلى مجموع الصلاة على سبيل الاجمال وبهذه الملاحظة يصح ان يقال لمن صلى خلف زيد الظهر مثلا بنية الايتمام إذا تابعه في معظم افعالها انه صلى الظهر مقتديا بزيد وان تخلف عنه في بعض افعالها بتقديم أو تأخير (وقد يلاحظ كونها فعلا تدريجيا حاصلا بمتابعة الامام في افعالها المندرجة ففي كل جزء تخلف عنه بتقديم أو تأخير) لا يحقق بالنسبة إليه الاقتداء ولكن لا ينفى ذلك صدق كونه مقتديا في أصل الصلاة عند ملاحظتها على سبيل الاجمال فلا تبطل به الايتمام من أصله ما لم يكن ذلك مقرونا بنية الاعراض عن الجماعة أو بالعزم على الاتيان به كذلك من أول الأمر بحيث يكون هذا الجزء بنفسه مستقلا بالملاحظة فمن نوى الايتمام بشخص في صلاته مقتضاه ان يتابعه في جميع الهيئات الصادرة منه من القيام والقعود والركوع والسجود فلو خالفه في شئ منها وهو على هذا العزم فقد تعدى عما هو وظيفته من المتابعة فهو اثم لكونه مشرعا ولكن لا تبطل قدوته بذلك ما لم يكن التخلف بمقدار ينقطع به علاقة الايتمام عرفا وان شئت قلت إن الاخلال بالمتابعة في جزء موجب لبطلان قدوته في خصوص ذلك الجزء دون غيره من الأجزاء السابقة واللاحقة التي اتى بها مقتديا بامامه فتصح الجماعة فيما عداه من الاجزاء إذ لا دليل على اشتراط صحة الجماعة في كل جزء بصحتها في سابقه أولا حقه بل الأدلة قاضية بخلافه ولا يقاس ذلك بما لو انفرد في الأثناء ثم جدد نية الايتمام كي يستشكل في صحته إذ لا تجديد هيهنا بل الاقتداء في الجميع من اثر تلك الإرادة التي دعته إلى الفعل من أول الأمر بل هو حين الاتيان بذلك الجزء أيضا باعتبار بقاء عزمه وعدم انقطاع علاقته بالمرة يوصف عرفا بالمأمومية كما تقدمت الإشارة إليه نعم ربما يكون التخلف إلى حد لا يبقى معه العلاقة العرفية فيتجه حينئذ الحاقه بما لو انفرد في الأثناء ثم جدد الايتمام كما أن المتجه ذلك فيما لو حصل الاختلال في غير ذلك من الشرائط المعتبرة في الجماعة كعدم الحيلولة أو البعد الكثير أو علو الامام و نحوها فليتأمل وقد ظهر بما ذكرنا ان ما ذهب إليه المشهور وهو الذي يقتضيه التحقيق ولا يلزم منه الالتزام بكون المتابعة واجبا تعبديا بل هي مأخوذة في مفهوم الاقتداء ولكن فواته في جزء لا يستلزم بطلان الجماعة فيما عداه ولا ينافيه الالتزام بترتب الاثم عليه فيما لم تجب الجماعة فيه من باب التشريع ولم نجد في كلمات المشهور اشعارا بوجوبها تعبدا فكان نسبة القول به إليهم كما في كلمات غير واحد من المتأخرين نشأ من زعمهم الملازمة بين القول بصحة الجماعة مع الاثم وبين كونه واجبا تعبديا وهى ممنوعة كما عرفت نعم لو أراد المشهور من حكمهم بصحة الجماعة فيما لو تخلف عن الامام بركن أو أكثر صحتها مطلقا حتى فيما لو استمر على المخالفة كذلك في جل صلاته أو كلها فالحق خلافه ولكن لا يظن بأحد الالتزام بذلك فضلا عن أن يكون مشهورا فليتأمل هذا كله في المتابعة في الافعال واما في الأقوال اما في تكبيرة الاحرام فقد صرح غير واحد بوجوب المتابعة فيها بل عن جملة منهم دعوى الاجماع عليه وهو بظاهره لا يخلو من مناقشة لأنهم ان أرادوا بذلك انه لا يجوز الدخول في الصلاة بنية الايتمام قبل ان يتلبس الامام بها فهو حق ولكن لا لأجل انه يجب عليه المتابعة في تكبيرة الاحرام والا لم يجز له التأخر الفاحش أيضا كالتقدم كما في سائر الأفعال التي يجب عليه المتابعة فيها بل لامتناع حصول
(٦٤٨)