لا بأس للمسافر ان يتم الصلاة في سفره مسيرة يومين لقصورها عن المكافئة من وجوه وقد حملها في الحدائق على التقية ونقل عن الشيخ أيضا الجواب عن الخبرين بالحمل على التقية لموافقتهما للعامة أقول حكى عن بعض العامة القول باعتبار كون المسافة يوما وليلة فالخبر الأول أيضا لا يأبى عن هذا الحمل مع امكان ان يكون كلمة الواو فيه بمعنى أو وكذا ما في خبر سليمان بن المروزي من تفسير البريد بستة أميال وهو فرسخان لا بد من طرحه أو تأويله بحمل الفرسخ على الخراساني الذي هو ضعف الشرعي على ما قيل كما يؤيده كون الراوي خراسانيا لعدم صلاحية لمعارضة ما عرفت والمتبادر من بياض اليوم الذي وقع التعبير به في جملة من الاخبار المزبورة إرادة يوم الصوم أي من أول طلوع الفجر كما نسب إلى الأصحاب ولكن المراد بالسير الواقع فيه بحسب الظاهر هو ما تعارف وقوعه فيه عند سير القوافل و الأحمال والأثقال لا استيعاب السير من أول طلوع الفجر إلى ذهاب الحمرة لان ع لسير على هذا النحو غير متعارف مع أن العبرة بمقدار المسافة التي وقع التصريح به في عدة من الروايات المزبورة إذ لم يقصد بمسيرة يوم اعتبار تحققها بالفعل بل تحديد المسافة الموجبة للقصر بمقدارها وهذا مما يختلف في العادة غاية الاختلاف كما أشير إليه في بعض الأخبار المزبورة فكشف الشارع عن أن المراد بها بريدان وهما ثمانية فراسخ فإذا قطع هذا المقدار من المسافة في يوم واحد بالسير المتعارف فقد شغل يومه فهذا هو حد التقصير وهما مما لا يزيد ولا ينقص وما في بعض الأخبار المتقدمة من تحديده بمسيرة يوم من غير تصريح فيه بإرادة هذا المقدار منه فهو تحديد تقريبي والا فالعبرة بذلك المقدار الذي لا يزيده ولا ينقص كما شهد بذلك رواية الفضل بن شاذان وخبر عبد الرحمن ومضمرة سماعة بل وكذا صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم المتقدمات فما وقع في بعض الأخبار المزبورة من الترديد بين بريدين وبياض يوم فهو بملاحظة ان كلا منهما مما يعرف به بلوغ الحد فرعا لا يتسر له معرفة مقداره من حيث الفرسخ فيشخصه بمسيرة يوم وقد يكون الامر بالعكس فما في المدارك من أنه لو اعتبرت المسافة بهما فالأظهر الاكتفاء في لزوم القصر ببلوغ المسافة بأحدهما لا يخلو من نظر وكذا ما نقله عن جده في بعض كتبه من أنه احتمل تقديم السير عكس ما حكاه عن الذكرى لما عرفت من أن مال التحديدين إلى شئ واحد وهو كون المسافة أربعة وعشرون ميلا من غير زيادة ونقصان ولكن قد يحرز ذلك بالسير المتعارف للإبل بياض يوم فالعبرة ببلوغ هذا الحد سواء قطعها في يوم أو أقل أو أكثر فالحد في الحقيقة هو يريدان أربعة وعشرون ميلا وهما ثمانية فراسخ كما وقع التصريح به في جملة من الأخبار المتقدمة مضافا إلى في لخلاف فيه على الظاهر كما أنه لا خلاف على الظاهر بل في المدارك اتفق العلماء كافة على أن الفرسخ ثلاثة أميال كما يدل عليه الاخبار المزبورة والميل أربعة آلاف ذراع بذراع اليد من لدن المرفق إلى أطراف الأصابع الوسطى من مستوى الخلقة الذي طوله أربعة وعشرون إصبعا تعويلا على للشهور بين الناس من غير خلاف يعرف كما في الحدائق بل المقطوع به بين الأصحاب كما في صريح المدارك وظاهر غيره وفي كلام بعض أهل اللغة أيضا دلالة عليه ففي القاموس الميل قدر مد البصر ومنار يبنى للمسافر أو مسافة من الأرض متراخية بلا حد أو مأة الف إصبع الا أربعة آلاف إصبع أو ثلاثة وأربعة آلاف ذراع بحسب اختلافهم في الفرسخ هل هو تسعة آلاف بذراع القدماء أو اثنى عشر الف ذراع بذراع المحدثين انتهى وعن أحمد بن محمد الفيومي في كتاب المصباح المنير الميل بالكسر في كلام العرب مقدار مد البصر من الأرض ثم نقل عن الأزهري أنه قال والميل عند القدماء من أهل الهيئة ثلاثة آلاف ذراع وعند المحدثين أربعة آلاف ذراع والخلاف لفظي فإنهم ألقوا على أن مقداره ست وتسعون الف إصبع والإصبع سبع شعيرات بطن كل واحدة إلى ظهر الأخرى ولكن القدماء يقولون الذراع اثنان وثلاثون إصبعا والمحدثون أربعة و عشرون إصبعا فإذا قسم الميل على رأى القدماء كل ذراع اثنين وثلثين كان المتحصل ثلاثة آلاف ذراع وان قسم على رأى المحدثين أربعا وعشرين كان المتحصل أربعة آلاف ذراع والفرسخ عند الكل ثلاثة أميال انتهى أقول وربما يستفاد من عبارة القاموس أيضا لفظية النزاع فإنه وان كان قد يستشعر من ذيل عبارته الاختلاف في مقدار الفرسخ ولكن يظهر بالتدبر في مجموع كلامه عدمه إذ لا خلاف بينهم في أن الفرسخ ثلاثة أميال وقد فسر في صدر كلامه الميل الذي يراد به مقدار معين من المسافة بمأة الف إصبع الا أربعة آلاف إصبع ولم يقصد بقوله أو ثلاثة أو أربعة آلاف ذراع بيان معنى مبائن لذلك المعنى إذ الظاهر أنه لم يقصد بذكر هذه المعاني المتباينة ان لفظ الميل يستعمل في نفس هذه المفاهيم والا فالعرف اعدل حاكم بخلافه بل في المسافة التي ينطبق عليها هذه الحدود و هي متحدة في الجميع لأنها متساوية في الصدق فان أربعة آلاف إصبع إذا وزع على الذراع الذي طوله اثنان وثلاثون إصبعا كان المتحصل ثلاثة آلاف ذراع وإذا وزع على الذراع الذي طوله أربعة وعشرون كان المتحصل أربعة آلاف كما لا يخفى وفى السرائر عن المسعودي في كتاب مروج الذهب أنه قال الميل أربعة آلاف ذراع بذراع الأسود وهو الذراع الذي وضعه المأمون لذرع الثياب ومساحة البناء وقسمة المنازل والذراع أربعة وعشرون إصبعا انتهى أقول ظاهره كون ذلك الذراع أربعة وعشرون إصبعا فكان مأخوذا من ذراع اليد مصنوعا من الحديد صونا عن أن يتطرق إليه الاختلاف باختلاف الاشخاص فان هذا المقدار هو مقدار ذراع اليد على رأى المحدثين المطابق لما هو المشاهد المحسوس إذا الذراع بحسب المتعارف حده ست قبضات واما ما نسب إلى رأى القدماء من تحديده باثنين وثلثين إصبعا فلعل مرادهم غير ذراع البديل من حديد وشبهه والا فهو خطأ بشهادة الحس واحتمال كون ذراع القدماء نوعا أطول بحيث كان بقبضهم ثمان قبضات بعيد في العادة وكيف كان فما استقر عليه رأى المحدثين أوفق بالصواب مع أنك قد عرفت من تصريح الأزهري وتلويح صاحب القاموس لفظية هذا النزاع فلا ينبغي الاستشكال في معروفية هذا التحديد للميل في العرف واللغة فيحمل عليه لفظ الميل الواردة في الاخبار المزبورة ولا ينافيه ما في كلام الأزهري من نسبة إلى أهل الهيئة فإنه وان كان قد يوهم ذلك في بادي الرأي كون استعمال الميل بهذا المعنى مخصوصا بعرفهم أي من مصطلحاتهم فلا يجدى ذلك في صرف اطلاق الاخبار إليه ولكن بدفعه انه لم ينسب أصل الاستعمال إليهم بل ذكر خلافهم في تحديد المسافة المعينة التي مقدارها
(٧٢٢)